وسائل التواصل الاجتماعي والوقت المهدور
يبدو التحوُّل الكبير في إجراء الاجتماعات وحلقات البحث وجلسات تبادل الرأي وجلسات النقاش قد اتخذ من غرف الزوم مكانًا فريدًا ومتفردًا به. تتوارد دعواتٌ متكررة من جهات متعددة، وتتحول هذه الجهات مع الوقت إلى جهات متكررة أيضًا، خاصة عندما نلبي دعوتها ونساهم بجدية وانهماك في تلك الاجتماعات التي قد لا يخلو يومنا من دعوة واحدة منها، وقد نضطر في بعض الأيام للخروج من جلسة عبر منصة الزوم لنلج جلسة أخرى، مترافقة مع شعور بالتعب والامتلاء بالثقل وبوطأة مصادرة الوقت والاستسهال المبالغ به.
النقطة الأكثر إثارة للتذمر هي تكرار العناوين ذاتها، ولن نُفاجأ عندما نجد أن مديري النقاش هم ذاتهم في كل مرة، لوهلةٍ تشعر أن الجميع يطالبك بالمشاركة ليس فقط لأنك تملك خبرة وتجربة في مضمار النقاش المدعو إليه، وليس لأن اسمك يشجع على دعوتك للنقاش انطلاقًا من تقدير شخصي لما تملكه من صفات إيجابية، ولما تبديه من تقبل وترحيب بتلك الدعوات، بل لأن سقف متطلباتهم يرتفع باضطراد عددًا ونوعًا، وفي الوقت ذاته يعتبرون لا بد وأنك تشعر بوافر السعادة والرضا على دعوتك للمشاركة.
في الحقيقة، رغم رغبتك بالاستزادة من المعارف ومن النقاش ومن تعدد الآراء، لكنهم يراهنون على أن وجودك يمنحهم مكسبًا إضافيًا شكليًا وجوهريًا، المؤسف أن الأمور حين تطول وتتكرر، تندرج تحت انحسار المصلحة بالطرف الداعي، والمصلحة هنا ليست عيبًا لأنها في العمق وفي المحصلة إضافة معرفية في أحد جوانبها، وكسب علاقات جديدة ربما تكون نوعية في جانب آخر، والأهم أنها فرصة لتقول ما لديك، لتستثمر بكل ما جمعته وجنيته وسعيت إليه من معارف، لكن التكرار وتغييب رأيك ومصادرة حق الرد غالبًا تجعلك مفيدًا لهم وبجانب واحد وهو رفع مستوى الجلسة! أو دب الحماسة في غيرك من المشاركين والمشاركات! وربما تكون أنت نفسك ولغاية في نفس يعقوب في إحدى المرات طعمًا كي يمرروا عبره فكرة أو نظرة أو موقفًا هم يتبنونه حتمًا لكنهم لا يفصحون عنه، مما قد يحملك كل الردود القاسية وربما بعض الاتهامات أو الإشارات غير المريحة وغير المنصفة.
أكاد أكون شبه جازمة بأن جلسات الزوم بخاصة باتت عبئًا على الكثيرين والكثيرات من المدعوين لها، إن سهولة إجراء جلسات الزوم أمر مبشر وميسر لجمع أعداد كبيرة ولكن مختارة لمناقشة فكرة ما أو موضوع محدد، خاصة في ظل التشظي الجغرافي الكبير للسوريين في بلدان الشتات حتى داخل سورية، كما أن سهولته الفائقة والنابعة من عدم وجود حاجة لاستئجار قاعات محددة أو لإجبار المشاركين والمشاركات على مغادرة منازلهم أو مكاتبهم، لكنها تحولت لنشاط مجاني يبخس حتى المواضيع والأفكار قيمتها! والمجانية هنا لا تعني غياب الكلفة بوجهها الاقتصادي فقط، بل تعني أن الكلفة المتناهية في الصغر تشجع على المزيد والمزيد من الدعوات ومن الجلسات، لكن للأسف يتم إسقاط قيمة الوقت للجميع وقيمة الجهد في المشاركة، بل قد يتحول العدد الكبير من الدعوات إلى شعور عارم بهدر الوقت والاستخفاف بالجهود وأقلها الجلوس لساعات فقط من أجل الإنصات، فكيف إذا ما كان الإنصات لعناوين وأفكار وأشخاص متكررين وغير تجديديين حتى بشكل تقديم الأفكار أو طرحها، وربما يكونون مفرطين في الأنانية حين يكتسحون الوقت فقط بالمديح لبعض الأشخاص أو بلعب دور المعقب والمحلل لكل كلمة قيلت، والأكثر قسوة هو دورهم في التقييم الفردي مع بعض الملاحظات الاتهامية التي يعتقدون أنهم قد مرروها بذكاء وحكمة العارفين، وكأنهم بداية ونهاية الأشياء كلها، بل وكأنهم جذر المعرفة وسقفها.