والدليل؟... قالولو
أبداً. لا علاقة للولايات المتحدة الأميركية بالعمليّة الإرهابيّة الأسبوع الماضي في لبنان وسورية، والتي نَفّذت فيها إسرائيل تفجير آلاف أجهزة النداء المُفخّخة، بآلافِ اللبنانيين المدنيين، وهم في أشغالهم ومؤسّساتهم ومستشفياتهم ومنازلهم وأسواقهم.
أبداً، كما أنّها لم تكن تعلم، حين أعادت إسرائيل الكرة في اليوم التالي، ففجّرت أجهزة لاسلكيّة بمئاتِ المواطنين الذين كانوا يستخدمونها لأغراضٍ مدنيّةٍ مختلفة، دون أن تهتم لأيّ قانون أو اتفاقيّة أو معاهدة أو مفهوم أخلاقي أو عرف يحمي المدنيين في زمنِ الحروب.
وتماماً كما أوضح منسّق السياسات الاستراتيجيّة في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، وهو شخص تتمنّى أن لا تجابهه بلعبة بوكر، نظرًا لخلو وجهه الشمعي من أيّ تعبير، فإنّ أميركا "غير ضالعة في تفجير أجهزة الاتصال في لبنان"، مضيفاً أنّه على العكس فإنّ "واشنطن لا تزال منخرطة في جهود دبلوماسية مكثفة لمنع تصاعد الصراع بين إسرائيل وحزب الله".
بين الهجومين، كان وزير خارجية أميركا أنتوني بلينكن أيضاً يؤكّد لنظيره المصري في القاهرة، أنّهم لم يكونوا على علمٍ بهذه العمليّة. بدليل أخبار أخرى انتشرتْ عبر قنوات التلفزيونات، مردّدةً أنّ العدو أعلم البيت الأبيض قبل ثوان فقط بأنّه سيقوم بـ"عملية نوعية ضد لبنان"، دون أن يوضّح له أيّ تفاصيل. فما الذي كان بإمكان بايدن أن يفعله في تلك الثواني لمنع ما حصل؟
الولايات المتحدة الأميركية تدعم الكيان العبري منذ تأسيسه بأحدث أنواع الأسلحة
مطلقاً. لا علاقة لأميركا. كما أنّه لا علاقة لها باغتيال 82 مدنياً وإصابة 68 آخرين بجروح مهولة، وهم قابعون في منازلهم ساعة الغداء مع عائلاتهم، في مبنيين سكنيين في ضاحية بيروت الجنوبية بصواريخ من صنعها، خرقت حوالي عشر طبقات للوصول إلى مجموعة من قوّة الرضوان لتغتالهم، غير مبالية بقتل كلّ هؤلاء الناس لتصل إلى هدفها. عادي. فالأضرار الجانبية لا بد أن تحدث في الحروب. والولايات المتحدة لم تكن تعلم بذلك.
لا علاقة لأميركا أصلا بكلّ ذلك. وكما آنّ يوآف غالانت لم يبلغ وزير الدفاع الأميركي، أوستن، إلا قبل ثوان من تنفيذ العملية، دون أن يعطيه أيّة تفاصيل. فالولايات المتحدة هي أيضا لم تستطع أن تحزر، أنّ نتنياهو المُحاصر بحرب استنزافٍ اقتصاديّةٍ وأفق سياسي لحربٍ وصلت لأفقها المسدود، سيقوم بهذه العملية الإرهابيّة. عملية استتبعها بشنِّ حرب جويّةٍ على لبنان، البلد الممنوع على جيشه، بأمرها، امتلاك أيّ سلاح دفاعي أو مضاد للجوي الإسرائيلي. جيش تمنّ عليه كصديقة، ببعض الخردة من مخلّفات جيشها، وبمائة دولار لكلِّ جندي، ممنوع من الدفاع عن بلاده.
كما أنّه لا علاقة لها، بتاتاً، باغتيال إسماعيل هنية أثناء مفاوضات حماس مع إسرائيل برعايتها: لا لوجستياً ولا استخبارياً، ولا تكنولوجياً. وأقمارها الاصطناعيّة واستخباراتها ومراصد قواعدها العسكريّة التي تحتل العالم، ودبلوماسيوها كلّهم لم يكونوا بوارد أيّ معلومة.
وقد أكدت الناطقة باسم البيت الأبيض هذا الخبر مرّات عدّة للإعلام العالمي "ما غيره"، الذي كان قد طنطن بتعداد "جرائم حماس" المبتدعة في 7 أكتوبر الماضي: من الأطفال الأربعين مقطوعي الرؤوس إلى اغتصاب النساء وبقر بطون الحوامل وانتزاع الأجنّة منها وحرقها في المايكروايف.
يا للمخيّلة الشريرة لحماس؟ على ما يبدو، كان لديهم الكثير من الوقت ليستطيعوا استخراج الجنين الإسرائيلي من بطن والدته ثم تشغيل المايكروايف لشيّه.
لو كانت إسرائيل تخالف ولو بأدنى شكل حقوق الإنسان، أو ترتكب جرائم حرب وإبادة؟ فإنّ الولايات المتحدة الأميركية لا ولن تسمح بإرسال أيّة أسلحة إليها، لأنّ هذا ما ينص عليه قانونها!
كما أنّه لا علاقة لأميركا أو علم، بحرب الإبادة على المدارس والخيم العارية والشقق السكنية وتسميم خرانات المياه ونهب المصارف الفلسطينيّة وسرقة الجثث وتجريف المقابر والطرقات وتقويض أيّ شيء قائم على أربعة أعمدة أو أقل. لا علاقة لها بكلِّ ما تقوم به الدولة الخارجة عن القانون، والتي اسمها إسرائيل ضدَّ الفلسطينيين في غزّة، منذ ما يقارب العام، وفي الضفّة منذ أسابيع، وفي لبنان خاصة منذ أسبوعين، بدليل الفيتو الذي تشهره لحمايتها في كلّ مرّةٍ تحاول فيها المؤسّسات الدولية معاقبتها على جرائمها.
واستطراداً، وبمفعولٍ رجعي، بالطبع لم يكن لأميركا أيّ علاقة بمحاولة اغتيال رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو مؤخراً، ولا بالانقلابات الناجحة منها والفاشلة في دول أميركا اللاتينية، ولا بالحرب التجارية التي تشنّها على من بدأ يتفوّق عليها في صناعاتها والمجالات الاقتصادية والتقنية التي كانت تحتكر التحكم بها. الخ..
لذا إن أردتم حقائق؟ اسألوا النيويورك تايمز والواشنطن بوست ولوموند ودير شبيغل والفوكس نيوز والسي إن أن ورويترز وسكاي نيوز، والأهم؟ "بي بي سي"، العمّة البريطانية و"عذراء الأصول المهنية" التي لا تشوب تاريخها المهني شائبة، بدليل افترائها على مراسليها العرب وطرد بعضهم وتعليق عمل بعضهم الآخر، كونّهم مؤيدين، ولو بمجرّد لايك، لمنشورٍ ضدّ حربِ الإبادة التي تُشنّ على فلسطين.
أبدًا. لا علاقة لا لأميركا ولا لبريطانيا، لا لألمانيا ولا لفرنسا التي يهدّد بعض مجرميها الصهاينة علناً وجهاراً نواباً منتخبين يحاولون الدفاع عن قيم الثورة الفرنسية ضدّ العصابات الصهيونيّة المتكاثرة في الطبقةِ السياسيّة والإعلاميّة لبلادهم، بترداد زمور "البيب بيب"، مقلّدين، بكلِّ بهجةٍ وإعجاب، صوت انفجار البايجرات بآلاف اللبنانيين.
وإن كان لا بدّ من اعتراف؟ صحيح، فالولايات المتحدة الأميركية تدعم الكيان العبري منذ تأسيسه بأحدث أنواع الأسلحة. لا يمكن نفي ذلك. وقد بلغت قيمة دعمها 260 مليار حتى 2023، وبعض تلك الأسلحة استُخدم، دون علمها، في لبنان الأسبوع الماضي وهذا الأسبوع في قتلِ وتهجير اللبنانيين، والعام الفائت في غزّة. إلا إنّ ذلك كان فقط تنفيذاً لاتفاقية تنصّ على هذا الدعم "بسبب الالتزام المتبادل بالقيم الديمقراطية"، وإلّا؟ لو لم تكن إسرائيل ملتزمة بكل تلك القيم الديموقراطية؟ لو كانت تخالف ولو بأدنى شكل حقوق الإنسان أو ترتكب جرائم حرب وإبادة؟ فإنّ الولايات المتحدة الأميركية لا ولن تسمح بإرسال أيّة أسلحة إليها، لأنّ هذا ما ينصّ عليه قانونها. وهي، كما يعلم الجميع، دولة تلتزم بالقانون.
والدليل... قالولو!