هدايا بابا نويل للعام الجديد
يصرّ الجميع على ممارسة تقليد الهدايا محمولة مع بابا نويل، تلك الأسطورة المتجسّدة على الأرض بمليون وجه ومليون شخص يرتدي زيّه التقليدي. ففي كلّ مدرسة بابا نويل، وفي كلّ تجمّع سكاني بابا نويل، لكن الهدايا اختلفت، والأهم أنّ أعدادها تناقصت بسبب الغلاء المفجع، وبسبب اقتناع الجميع، حتى الأطفال، بعبثية الهدايا، بل والأعياد برمتها.
لا مداخن حافلة بالهُباب الأسود، لأنّ المازوت غائب عن المواقد التي حافظت على أمكنتها في المستودعات أو على السقائف المهملة. تمّ التنازل عن شرط قدوم بابا نويل من المدخنة ليلًا، كما تمّ التنازل عن شرط وجود شجرة ميلاد مزيّنة كي يضع بابا نويل الهدايا تحتها ثم يرحل. غالية جدًا أسعار شجرات الميلاد وزينتها، ولا كهرباء تنير أضواءها، كما ندم كثيرًا الباعة الذين أصرّوا على عرض الزينة والأضواء لبيعها في موسم الأعياد، وما زالوا يعرضون بضاعتهم أملًا في تصريفها رغم أنّ العيد قد انقضى.
تنتشر على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي صور لبابا نويل وهو يبحث عن الأطفال تحت الرُّدم في غزّة. رمزية الصورة لا تعني أبدًا أنّ أطفال غزّة معتادون تسلّم الهدايا في عيد الميلاد، بل تفتح تلك الرمزية القاسية النار باتجاهين، أولهما موت الأطفال واختفاؤهم تحت الردم، وبالتالي انتفاء الحاجة للهدايا. أمّا وجهة الإطلاق الثانية، فتكمن في سؤال الفرح: هل تمتّع أطفال غزّة بالهدايا ذات عيد؟ وبيت لحم مركز ولادة السيد المسيح قريبة جدًا، قريبة في الانتماء والهوية، وفي الخصوصية الثقافية والجغرافية! قتامة المشهد تؤكد أنّ الهدايا كانت غائبة دومًا عن هؤلاء الأطفال.
في مكان آخر، غلبت سمة مستحدثة على هدايا الميلاد في سورية، حذاء بدل الدمية، بنطال بدل السيارة أو الجرافة، لفحة صوفية مع قبعة بدلًا من ألعاب الجمع والتركيب. فإن كان لا بدّ من زيارة بابا نويل للبيوت لاكتمال العيد على الأقل في مخيلة ووجدان الأطفال، فلتكن الهدايا ما يحتاجه الأطفال كأساسيات بدلًا من الهدايا التي تحوّلت إلى ترف، وإلى حلم مستحيل تهزمه الحاجات الأساسية والأكثر أهمية ككيس الشوكولا أو كيلو من الموز مثلًا، أو كيس من الكعك بحليب مع السمسم.
تبقى الأعياد ما بقيت البشرية، وتختلف الهدايا حسب الضرورة، لكن الحياة تفرض شروطها الخاصة حتى على بابا نويل
قرّرت دلال أن تسعد قريباتها بمناسبة العيد، تواصلت مع أبناء وبنات البعض، تجاوب بعض الأبناء بحفاوة وعبّروا عن استعدادهم للمشاركة بأيّ مظهر احتفالي.
ارتدت دلال طقمًا أحمر من أطقمها القديمة، تقمّصت بصورة جزئية شخصية بابا نويل، وحضّرت وجبة غداء جاهزة، وهي الفراريج المعدّة خارج المنزل لسهولة تحضيرها ولغياب الخدمات الأساسية التي تسهل الطهو مثل الغاز والكهرباء والمياه. دعت قريباتها إلى منزلها ليتبادلن نخب العيد، وحيدات دون الأبناء ودون الأزواج الذين غابوا لألف سبب، أوّلها الموت وآخرها العزوبية.
أصرّت دلال على أن تبدأ الوجبة الاحتفالية بالنداء على السيّدات عبر جرس نحاسي ما زالت تحتفظ به، أيقظ صوت الجرس هواجس السيّدات، لكنه أفرحهن في ذات الوقت. تبادلن نخب الأعياد والأحاديث التي كساها بعض السرور والذكريات الجميلة، رغم كلّ الأوضاع الصعبة التي يعشنها.
بعد انتهاء الوليمة غير التقليدية لاحتوائها على صنف واحد فقط، منحت دلال السيدات هدايا خاصة بكلّ منهن، اشترتها لهن من جيوب الأبناء والبنات، واللافت أنّها لبّت رغبة كلّ سيدة حسب ما تريد. كان لماري فرصة الحصول على قدر صغير من الستانلس لطهو وجبة صغيرة لها وحدها بعد خلوّ بيتها من أفراد عائلتها، وخصوصاً بعد سفر الأبناء، وأهدت لطيفة محفظة صغيرة تُناسب قدرتها على حملها لعجزها عن حمل محفظة كبيرة بسبب آلام رقبتها. أمّا لويزا، فقد كانت هديتها عبارة عن دزينة من ملاعق الطعام، لأنّها لم تعد تملك في مطبخها إلا ثلاثة ملاعق.
تبقى الأعياد ما بقيت البشرية، وتختلف الهدايا حسب الضرورة، لكن الحياة تفرض شروطها الخاصة حتى على بابا نويل.
على الأرض السلام وفي الناس المسرة.