نبهان في أحد السجون التركية

08 مارس 2019
+ الخط -
ذهبنا إلى مدينة أنطاكية التركية لزيارة ابن بلدنا "أبو نبهان"، وتهنئته بخروج ابنه "نبهان" بالسلامة من سجن تركي بالقرب من مدينة "قيصري". استفتحنا الجلسة بالسؤال التقليدي الذي نحفظه نحن السوريين المناحيس، الذين عشنا تحت سلطة حافظ الأسد ووريثه عن ظهر قلب، وهو: أيش تهمته ابنك؟

قال أبو نبهان: ابني نبهان، الله يخلي أولادكم، عنده دكان بقال بالقرب من مدخل أنطاكية الشرقي، وذات يوم مر عليه واحد من أبناء بلدنا، وقال له: أخي ممكن تحط لي هالجنتاية عندك لبكرة؟ وشَرَحْلو السبب بأنه هو بدو يروح على بلدة "ألْطَانوز" حتى يزور ابن خالو ويرجع بكرة لأنطاكية.. يعني، أحسن ما يشيل الجنتاية ويتعذب فيها بالروحة والرجعة، بيتركا عند نبهان وبيمر بكرة وبياخدا. 

قال أبو الجود، مستبقاً معرفة تتمة الحكاية: هادا هو حالنا، نحن السوريين، من كتر ما عندنا خجل، وحيا، وطيبة القلب، وحماس لإغاثة الملهوف، مندفع التمن من أعمارنا.

قال أبو نبهان: كلام أبو الجود صحيح مية بالمية، واللي صار أنه ابني نبهان قال للرجل حَلّتْ البَرَكة يا عمو، اتروك الجنتاية وتيسر. وبعدما مشي الرجل أجت الشرطة التركية، وحطت أيدا على الجنتاية، وأخدوا نبهان ع القسم، ومن هناك أحالوه إلى السجن، وبحسب ما عرفنا إنو ابن بلدنا صاحب الجنتاية عم يشتغل مع داعش والجماعة مراقبينو من لما دخل على تركيا..

قال العم أبو محمد: يعني الجنتاية فيها متفجرات؟

قال أبو نبهان: ما بظن. ويمكن ما يكون فيها شي خطير، بس تبين إنو صاحبا عم يشتغل مع داعش، وأكيد مكلف بشي مهمة في تركيا. المهم أنه نبهان بقي في السجن حوالي تسعة أشهر، وهلق - الحمد لله والشكر لله - طلع براءة.

تزاحمت الأسئلة من قبل الحاضرين على أبو نبهان. قال الخال أبو جهاد: كنتوا تزوروه؟ كيف كانت المعاملة؟ إن شالله ما في ضرب وتعذيب؟

ضحك أبو نبهان وقال للخال مصطفى: أنت أيش عم تحكي؟ طبعاً زرناه كتير، وطول فترة السجن بقي تلفونو معو، وكنا نحكي معو بشكل دائم. وغريب كلامك عن الضرب والتعذيب. مفكر حالك في سورية؟

قال الأستاذ كمال: أبو جهاد معه حق يسأل هيك. واضح أنو القضية بتتعلق بأمن الدولة، وهاي القضايا معظم دول العالم، بما فيها الدول الديمقراطية، ما بتتساهل فيها.

قال أبو نبهان: والله ما بعرف. بس نبهان حكى لي أنه ما حدا زعجو، وكان يشوفو المحامي تبعو و..

 

قاطعه أبو زاهر: كمان في محامي؟ (وضحك وأضاف) نحن لما كنا معتقلين في سورية ما كانوا يسمحوا للدبان الأزرق يشرفنا بزيارة، ولو أراد الدبان الأزرق يزورنا ما بيحسن، لأنو ما بيعرف نحنا وين بالضبط. نحن نفسنا في البداية ما كنا منعرف حالنا وين. كنا في فرع فلسطين (فلسطينُ داري وأرضُ انتصاري) وفجأة طالعونا من تحت الأرض وركبونا باصات وطالعونا.. وصرنا ندخل بشارع نطلع من شارع حتى طلعنا برات الشام، والعناصر المرافقين إلنا شغالين بروسنا نَكْش ولَكْز وضرب على الرؤوس من ورا.. ومشينا خمس ست ساعات حتى وصلنا لمكان ما فيه طير يطير ولا وحش يسير ونزلونا، والأحسن نقول (فَضُّونا)، لأن العادة أنهم يفضوا المعتقلين متلما السيارة المحملة بالحجار بتفضي الحجار تبعها وبتمشي. ودخلنا مكان مكتوب على بابو عبارة: يا داخل إلى هذا المكان إنسى الزمان. وأنا بقيت في هاد المكان 16 سنة. كل يوم وكل دقيقة بيحسّها الإنسان أطول من سنة (مما تعدون). وعلى هيك ومتلو يا سيدي.

وللحديث صلة

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...