من عالَم الحَمَاية والكَنّة

07 نوفمبر 2018
+ الخط -
كان الدكتور "مجاهد" يعاين السيدة المسنة "أم صلوح"، ويَطلب منها أن تحكي له قصتها المَرَضِيّة، عساه أن يتوصل إلى المرض الذي جاءت إليه ليعالجها منه. قالت له:

- أنا والله العظيم يا دكتور، ما كان فيني أي مرض أو بلاء، والحمد لله.. (ورفعت يدها التي كان مجاهد قد ربط فيها جهاز قياس الضغط، وباستها، ووضعتها على رأسها وأعادتها إلى مكانها تعبيراً عن الشكر لله) إذا أنت ضربتني بهذا الحائط، فإنني أرجع إليك صاغْلِكْ (أي سليمة معافاة).. ولكن سبحان ربي جل جلاله، حكمته تقتضي أن لا يوجد على وجه الأرض إنسانٌ سعادتُه مكتملة، فقد وقع ابني "صلوح"، الله يهديه ويسامحه، بحب بنت من حارتنا اسمها "سُرَيَّا"، وأي حب! حب من النوع الحارق، بدليل أنه حضر إلى البيت، يومها، وباس يدي ثلاث مرات، وقال لي: يا أمي اخطبي لي "سُرَيَّا".

قال مجاهد: اسحبي نَفَس، شهيق وزفير، أكثر من مرة..
سحبت أم صلوح نفساً واحداً وزفرته. قالت:


- آه.. وعلى قولة المتل يا إبني، (بقول آه وبيطلع من صدري دخان).. أنا بعرف هاي البنت "سُرَيَّا" مدللة ومَجْلُوقة وقليلة ذوق، وكلامها مثل اللطم على المناخير، وتسكت طويلاً ثم تقول (بُعْ جَمَلْ).. وفوق كل هاد الشي هي ليست حلوة، أيش اللي خلى إبني يحبها؟ والله ما بعرف يا دكتور.

قال: احبسي نَفَسْ.
قالت: أنا والله بوقتها كان لازم أحبس نفسي، وأتجاهل توسلات ابني، لكن قلب الأم، متلما بتعرف، حنون.. على قد ما ترجاني وباس يدي، قلت له أمرك. ورحت أنا، من شدة غبائي وبهامتي، طلبت له ياها. أَلَمْ تسمع بالإنسان الذي أحضر الدُبّ إلى كَرْمه؟ أنا. أنا التي أحضرت الدبة "سُرَيَّا" إلى بيتي.. ومع أني كنت ذاهبة لطلب يدها خطوةً للأمام وخطوتين للخلف، وكان وجهي يظهر عليه أني غير مرتاحة للبنت، فقد جلستْ والدُتها تطلب وتَتَطَلَّبْ..

صارت تقول: بنتنا باكر، ما باس فمها غير أمها. بالله عليك يا دكتور مجاهد قل لي، إذا كان عندك شاب يفتح العين من العمى مثل ابني صلوح، هل تخطب له امرأة أرملة وعندها أولاد من زوجها الأولاني؟ أكيد لا، فأيش معنى أن تقول لي إن ابنتها بنت باكر وما باس فمها غير أمها؟ يعني هل هذه ميزة؟ وبلا طول سيرة، تزوجها ابني، وصارت معي في نفس الدار. ومن يومها يا دكتور، أنا ما شفت الخير.

انتهى مجاهد من إجراءات الفحص السريري وقال لأم صلوح:
- يا خالتي أم صلوح. بالنسبة لوضعك الصحي، أنا شايف أنه تمام. لا يوجد أعراض لأي مرض.
قالت أم صلوح: المشكلة أن المرض لما أنا أطلع من البيت يروح. بتعرف ليش؟
قال: لا والله.
قالت: كما أخبرتك قبل قليل، أنا أكون جالسة بأمان الرحمن، أرى كنتي سُرَيَّا تقول جملة غبية، أو تتصرف بشكل مغيظ، ووقتها أشعر وكأن رَجُلَاً شديد العزم مثل المرحوم "أبو صلوح" أطبق يده ولطمني بالبوكس على مناخيري، أو رفسني في بطني، فيطيش صوابي، ويكاد أن يغمى علي، ويصبح تنفسي ضيقاً.. وحينما أخرج من البيت تزول كل هذه الأعراض. فما رأيك؟

ضحك الدكتور مجاهد وقال لأم صلوح:
- مشكلتك بسيطة يا خالتي أم صلوح. ولكن علاجها ليس عندي، مع الأسف.
قالت: يوه. كيف مو عندك؟ مو أنت دكتور؟
قال: بلى، أنا دكتور، ولأنني دكتور لا أستطيع أن أحل مشكلتك.
قالت: كيف؟
قال: أنا لا أستطيع أن أعيد عمي أبو صلوح إلى الحياة، ولا أستطيع أن أفرض على صلوح أن يطلق امرأته، أو أن يجعلها تحرد إلى بيت أهلها. الله غالب.
دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...