ملف "العنف والمرأة"... إلى طفلةٍ لن ألدها (3)

08 مارس 2023
+ الخط -

قبل بضعة أشهر، بلغت الحادية والثلاثين من عمري. شابة لبنانيّة في الثلاثين من عمرها بلا زواج وأطفال؟!

من تعيش مثلي في مجتمع عربي يتباهى بذكوريّته، ويرسم للنساء مسار حياتهنّ منذ الولادة، من دون أن يتوقّف لحظة ليسألهنّ عن مواقفهنّ، واختياراتهنّ، وتفضيلاتهنّ، تعي تماماً حجم معاناة النساء اليوميّة في هذه البقعة من الكوكب، حتى وإن كانت تعيش في كنف عائلة منفتحة، متقبّلة، وحاضنة.

أن تكوني امرأة في مجتمع كهذا، يعني أن تدفعي ثمن خياراتك البديهيّة يومياً؛ من حقّك في القرار، والعمل، والزواج، والعزوبية، والإنجاب، والطلاق، وحتّى مغادرة منزل الأهل. "من بيتك لبيت جوزك"، نقول في لبنان. لا خيار ثالثاً. لا مجال هنا للحريّة الشخصيّة، والمساحة الشخصيّة. فالمجتمع حاضر دائماً لجلدِك.

تولد النساء في العالم العربي مع تاريخ صلاحية وتوقعات مسبقة

تولد النساء في العالم العربي مع تاريخ صلاحية، تولد مع توقعات مسبقة: أن تكبر، تتزوّج، تنجب الأطفال، تصبح ربّة منزل، وهكذا دواليك، امرأة تلو الأخرى. نسخ متشابهة، وإن اختلفت الظروف، ومن عاندت "التقاليد"، رُجمت بطرق مختلفة.

لم تغرني يوماً فكرة الزواج، ونادراً ما حلمت بالفستان الأبيض، والرقصة الأولى. لا أنكر أنّني أحبّ الأطفال. ربّما أتبنّى يوماً ما طفلةً، في مجتمع آخر، وحدود أخرى. لا أريد طفلةً تولد بـ"تاريخ صلاحية"، أو تسير رغماً عنها وفق ما يراه المجتمع مناسباً لها. أريدها حرّةً من كلّ القيود التي يعتبرها المجتمع "طبيعية".

مدونات
مدونات

مدونات العربي الجديد

مدونات العربي الجديد

تخيّلوا أنّني "كبيرة العازبين" في عائلتي. حتّى أنّ بعض أولاد خالاتي الأصغر سناً تزوجوا الصيف الماضي. بعضهم ينتظر أطفالاً. أمّا أنا فأصبحت أتفادى الجلسات العائلية وما يرافقها من أسئلة عن حياتي الشخصية، وقرب "انتهاء تاريخ صلاحيتي" وأنا بعد من دون زواج.

أكتب اليوم من أجل طفلةٍ أعلم أنّني لن ألدها.

أكتب اليوم من أجل طفلةٍ سأحمل بها في مخيّلتي فقط.

أكتب اليوم من أجل طفلةٍ في داخلي متمرّدة.

أكتب اليوم من أجل طفلةٍ ستجلس في اللقاءات العائلية، تستمع للأسئلة التي لا تنتهي، وتستمتع في كلّ مرة تقول فيها "لا أريد الزواج"...