لن نعود كما كنّا
في بداية أزمة فيروس كورونا في عام 2020، استوقفني منشور عبر "فيسبوك" يقول حرفياً (إذا لم تخنّي ذاكرتي)، "سيعود العالم كما كان، لكنّنا لن نعود كما كنّا".
اليوم، وعلى مقربة من الذكرى الثانية لبدء "رعب كورونا" في قلبي، عدنا للعمل من المكتب. أجلس خلف مكتبي، وأنا أفكّر بهذا المنشور، فقط لا غير. على هذا الكرسيّ قبل عامين منصرمين، تركتُ بعضاً منّي، معتقدةً أنّني سأعود بعد أسبوعين، أو ربما ثلاثة على الأكثر، لأستأنف روتيني الاعتيادي. أستيقظ صباحاً، أحضّر أغراضي، وأنطلق في رحلة تستغرق بين نصف ساعة وساعة ونصف يومياً، تبعاً لمزاج زحمة السير، ووضع الطرقات طبعاً.
فجأةً، ومع بضع إنذارات سابقة لا تذكر، وجدتُني أعمل من المنزل، خوفاً من فيروسٍ قاتلٍ سبّبه، كما قيل لنا، خفاش حقير، تلاعب بنا، وبمصائرنا، وبصحتنا النفسيّة. لا أجيد التعامل مع التغيّرات المفاجئة في حياتي. انقطاعي عن المداومة من المكتب، ثمّ عودتي المفاجئة إليه، تغيّران ثقيلان على شخص مثلي، يهوى الروتين. وبين التغيير الأول والتغيير الثاني، حدثت لي تغييرات كثيرة على الصعيد الشخصي. تحوّلت من شخص تغريه الحياة، إلى إنسان لا يريد منها سوى أن تتركه بحاله. أتعلمون كم هو صعبٌ أن تشاهدوا أنفسكم وأنتم تنطفئون شيئاً فشيئاً، بسبب خفاش حقير؟
عدنا، وكأنّ أحدهم وضع حيواتنا في وضعية الانتظار لمدّة عامين كاملين، ثمّ قرّر فجأة أن يحرّك مسارها من جديد
عدتُ إلى المكتب الذي تغيّر كثيراً بدوره، بعدما دمّره انفجار الرابع من أغسطس/آب 2020، وعادت الوجوه نفسها، مع ملامح غيّرها أيضاً الخوف من الفيروس اللعين، وقلوب أثقلها الهمّ مع الأحداث المتسارعة في لبنان، والتي لم تسمح لأحد بالتقاط أنفاسه.
عدتُ وأنا أخاف الناس، ليس من فيروس ربما يتربّص بي، ينتظر أن أخلع الكمامة سهواً، لينقضّ عليّ، بل لانقطاعي شبه التام عمّن حولي، وبتشخيص طبّي، مذيّل بتوقيع طبيب نفسي، عنوانه "الاكتئاب".
استأنفنا اليوم حيواتنا، وكأنّ فيروس كورونا كان كابوساً مزعجاً، يتكرّر صداه كلّ فترة، من دون أن يكون وقعه قاسياً كالسابق. عدنا، وكأنّ أحدهم وضع حيواتنا في وضعية الانتظار لمدّة عامين كاملين، ثمّ قرّر فجأة أن يحرّك مسارها من جديد. عدنا، لكنّنا بالتأكيد لم نعد كما كنّا. بعضنا فقد أحبّاءه، وآخرون فقدوا أجزاء من أنفسهم. عاد العالم كما كان ربّما، لكنّنا حتماً، لم ولن نعود كما كنّا.