مبادرة للمغرب والجزائر بشأن قضية الصحراء المغربية
لقد طال كثيراً ذلك الخلاف الذي لا يهدأ إلا ليعود ويتصاعد بين البلدين الشقيقين المغاربيين، المغرب والجزائر، رغم ما طرأ من تغيير في الوجوه الحاكمة، والظروف الإقليمية والدولية على مدى يزيد عن أربعة عقود من الزمن.
لعل التاريخ يلقي بظلاله على علاقات البلدين، فغالباً ما كانت منطقتا المغرب الأوسط (الجزائر) والمغرب الأقصى (المغرب) في ظل ممالك وإمارات مختلفة ومتصارعة في كثير من الأحيان، ولكن هذه الخلفية التاريخية المفترضة للصراع لا تختص بها منطقة المغرب الكبير، فكم من أمم وشعوب لم تكن في الماضي إلا متخاصمة ومتحاربة، وها هي اليوم تستظل بمظلة سياسية واقتصادية بل وعسكرية واحدة، في مواجهة التحديات المختلفة التي يفرضها هذا العصر الصعب، والقادم أصعب، والحال أن ما بين هاتين المنطقتين المغاربيتين تاريخياً لا يعدو أن يكون تنافساً إقليمياً أو قبلياً لا يخلو منه تاريخ أمة من الأمم.
نعم ربما من تأثيرات التاريخ صنع الهوية والخصوصية الجغرافية والحضارية، ولكن ذلك لا يمنع التقارب والتلاقي وحتى الاندماج استناداً إلى مقومات مشتركة لا يجب على الإطلاق أن نتجاوزها، ونغلب عليها الفوارق والخصوصيات، والواقع أن ما بين المغرب والجزائر من عوامل ترابط سكاني واجتماعي بل وثقافي (عربي/أمازيغي/فرانكفوني) أقوى بكثير لتجاوز كل عوامل الاختلاف.
ربما هناك من يفترض أن هذا الصراع هو تعبير عن صراع بين نظامين سياسيين مختلفين، ملكي وجمهوري، ولا ندري ماذا نقول عن العلاقات السعودية - المصرية؟ هل حال اختلاف النظام السياسي في البلدين دون تقارب يقوى ويضعف بحسب الظروف السياسية؟
لا حاجة لنا للتأكيد على أن ما بين البلدين في الوقت الحالي هو خلاف سياسي له بعد استراتيجي واقتصادي جوهره الرئيسي قضية الصحراء الغربية بعيداً عن كل الشعارات والأطروحات القانونية والإعلامية
مع ذلك لا حاجة لنا للتأكيد على أن ما بين البلدين في الوقت الحالي هو خلاف سياسي له بعد استراتيجي واقتصادي، جوهره الرئيسي قضية الصحراء الغربية، بعيداً عن كل الشعارات والأطروحات القانونية والإعلامية، وحتى التصعيد في ملفات سياسية مستجدة حديثاً، ولسنا في حاجة، بل لا يتسع لنا المجال أصلاً لاستعراض محطات الصراع منذ بدايته، لكن نستطيع أن نلخصه في أن المغرب رأى ويرى أن الصحراء الغربية جزء من ترابه الذي استعاده بعد خروج الاحتلال الإسباني، في حين تساند الجزائر مطالب العديد من الصحراويين في تقرير المصير والاستقلال وتصفية الاستعمار.
نستطيع أن نتفهم وجهات نظر كل الأطراف، بما في ذلك مطالب جبهة البوليساريو نفسها، ولكن السياسة تتطلب من الجميع الوصول لصيغ واقعية تحقق المصالح المحلية للدول والشعوب والإقليم ككل، وتكون قابلة للتنفيذ، ولعلنا هنا نتمنى أن تكون كل الحلول تحت سقف عدم تفتيت المفتت، بل بوحدة تحق الحقوق، وتحقق المصالح.
إن حل الخلاف المغربي الجزائري سيلقي بظلاله الوارفة على كل منطقة المغرب الكبير، وربما يكون نقطة انطلاق لاستعادة حلم التكامل المغاربي، فضلاً عن أنه سينهي الآثار السلبية على مواطني البلدين عموماً، وعلى طرفي الحدود على نحو خاص، اجتماعياً واقتصادياً ورياضياً، وفي كل المجالات الأخرى.
انطلاقاً مما سبق، هذه رؤية للحل، يقدمها شخص عادي محب للبلدين والشعبين، وحريص على التكامل المغاربي، كون بلده ليبيا جزءاً منه، بل إن هذه الأخيرة قد تكون من أوائل من يجني ثمار حل الخلافات بين هذين البلدين العزيزين، وألخص هذه المبادرة في النقاط الآتية:
أولاً: اعتراف البلدين بالوحدة الترابية لكل منهما، ورفض كل نزعات انفصالية على أسس جهوية أو قبلية، مع مراعاة الحقوق المتعلقة بالثقافة والمواطنة.
ثانياً: تطبيق خطة الحكم الذاتي الموسع في منطقة الصحراء، برعاية الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، واتحاد المغرب العربي.
ثالثاً: في إطار التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدين، والذي يساهم في تعزيز التفاهم وديمومته، تمنح المغرب امتيازات اقتصادية وتجارية وتواصلية للجزائر في منطقة الصحراء، بما لا يمس بالسيادة المغربية، كما تزود الجزائر جارتها المغرب باحتياجاتها من النفط والغاز بأسعار تفضيلية يتفق على تفاصيلها، مع إمكانية الاستفادة من التجربة العراقية - الأردنية السابقة في هذا المجال.
رابعاً: البدء بمباحثات تهدف لتحقيق الوحدة الاقتصادية والتجارية بين البلدين، ورفع العوائق أمام الاستثمار والسفر والإقامة والتملك فيهما.
إن الغاية الأسمى لدول وشعوب المنطقة هي تحقيق السلام المحلي والإقليمي والتقدم والازدهار والرفاهية، ومن أجل تحقيق ذلك يمكن للجميع تقديم التنازلات اللازمة لتحقيق المصالح المشتركة.