لا شيء مقابل التطبيع العربي مع بشار
إنّ المتغيرات الإقليمية والدولية قد تدفع بكثير من صنّاع القرار والحكومات إلى الإقدام على خطوات وقرارات صعبة مناقضة للمبادئ والأهداف والشعارات التي رفعت على مدى سنوات أو عقود من الزمن، ولكنها مع كلّ التنازلات التي قد تضطر لتقديمها في قضايا معينة، لا تتخلّى عن كلّ شيء، بل تظلّ متمسكة بما يحفظ ماء وجهها أمام الداخل والخارج في أسوأ الأحوال.
لقد حال التدخل الإيراني ثم الروسي في سورية دون تحقيق الشعب السوري لأهدافه في إسقاط النظام الطائفي المستبد منذ عقود بهذا البلد، وأحبط كلّ المساعي العربية الجماعية والفردية التي دعمت كفاح الشعب السوري، سياسياً وعسكرياً، في سبيل الخلاص التام منه ومن الهيمنة الإيرانية. ولكن، هل بات حاكم دمشق في وضع جيد بعد الانتصارات التي كلفته الكثير من الدماء المراقة وانكشاف ما خفي من إجرامه، والتحوّل إلى دمية في الأيدي الروسية، أم صار أشبه بجثة سياسية محنّطة؟ لا يبدو الأمر كذلك!
إنّ العزلة الدولية، والعقوبات الاقتصادية المتصاعدة، والدور التركي الضاغط في الشمال السوري، وتداعيات الحرب الأوكرانية الروسية، والضغوطات التي تتعرّض لها إيران، جرّدت رأس النظام السوري من إمكانية تجيير ما حققه عسكرياً بدعم روسي في السنوات الماضية، الأمر الذي يمكن توظيفه في أيّ مفاوضات مع إيران أو بشار الأسد للحصول على مكاسب إنسانية واقتصادية وأمنية وسياسية للشعب السوري، وجعل ذلك شرطاً مسبقاً لأيّ عملية تطبيع تدريجية تفرضها الظروف الإقليمية والدولية، كما قد يقول مؤيدو التطبيع مع نظام دمشق.
ما قدمته الجامعة العربية لبشار الأسد من تنازلات حتى الآن لم يكن له ما يفسره أو يبرّره، في ظلّ استمرار العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية ضده
على أنّ ما قدمته الجامعة العربية لبشار الأسد من تنازلات حتى الآن لم يكن له ما يفسره أو يبرّره في ظلّ استمرار العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية ضده، ولو أنّ هذه القوى هي التي بادرت أو دفعت بهذا الاتجاه لكان الأمر مفهوماً، وإن كان غير مقبول في كلّ الأحوال من غالبية السوريين، خاصة اللاجئين والمهجرين منهم في الداخل والخارج.
بل إنّ التصريحات الدولية الأميركية والأوروبية تؤكد على عدم التطبيع مع النظام السوري، وعدم الاتفاق مع الخطوات التي اتخذتها الجامعة العربية أخيرا في هذا الصدد، بل إنّ مؤسسة تشريعية كبرى بحجم الكونغرس الأميركي باتت تصدر عن بعض مكوّناتها مبادرات تصعيدية تهدّد بفرض عقوبات حتى على الحكومات التي تطبّع مع الدكتاتور السوري.
بقي أن نسأل: هل هناك رهان عربي على ممارسة الضغوط على النظام السوري بعد التطبيع معه وإعادته للجامعة العربية؟ وبأيّ أوراق ضغط أو مقابل؟ وهل التجارب العربية السابقة مع هذا النظام لإبعاده عن الحضن الإيراني، وحلحلة الأزمات السياسية المتتالية في دولة لبنان قبل الربيع العربي (والمستمرة حتى الآن) محلّ إدراك عند قادة دول عربية، مثل السعودية ومصر مثلا، أم أنّ ما حدث لا يعدو أن يكون مبادرة سلام مع بشار الأسد مقابل لا شيء؟!