ماذا بعد الخطوة الألمانية الأخيرة ضد الروس؟
بعد تصريح وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، الأخير حول عدم ممانعة برلين إرسال دبابات "ليوبارد 2" الألمانية من بولندا أو عن طريق حلفاء آخرين إلى الجبهة في أوكرانيا، خرج وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، يوم الأربعاء بتصريح تعقيباً على كلام أنالينا، ليؤكد أنّ ألمانيا لن تكون طرفاً في الحرب على الرغم من أنها ستدعم كييف طالما احتاجت إلى ذلك، ما يعني أنّ برلين اختارت أن تكون أكثر اتزاناً في موقفها حول ما يجري، وربما كان من اللازم التوضيح لتجنّب ردة فعل روسية هجومية حول هذا القرار المفاجئ الذي اتخذته برلين.
وجاءت موافقة المستشار الألماني، أولاف شولتز، على قرار الخارجية الألمانية بعد مكالمة جمعته مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، كإعلان صريح باتخاذ برلين خطوات أكثر فاعلية، قد تغيّر قواعد اللعبة على أرض المعركة وتبطئ تقدّم الروس على اعتبار أنّ دبابة "ليوبارد 2" تتميّز بالقدرة على المناورة والقوة النارية، كما أنّ سرعتها البالغة 68 كيلومترا في الساعة تعدّ سرعة مثالية قادرة على مواجهة سرعة الدبابات الروسية، أما بالنسبة للحماية، فالدبابة مصنوعة من مزيج يشمل الصلب ومعدن التنغستن النادر وقادرة على تحمل قوة قاذفات صواريخ كورنيت الروسية، الأمر الذي سيقلل الخسائر البشرية في صفوف الجيش الأوكراني.
هذا الموقف الألماني الجديد سيسبّب إزعاجاً شديداً للقوات الروسية، بل وسيدفعها إلى تغيير مسار بعض المعارك أو الخطط الحربية التي اعتمدت على أساس الإمكانات العسكرية الأوكرانية. وفور ورود النبأ، عقبت موسكو على لسان السفير الروسي لدى ألمانيا، سيرغي نيشيف، بأنّ قرار الحكومة الألمانية بالموافقة على تسليم دبابات "ليوبارد 2" إلى أوكرانيا "خطير للغاية"، وينقل الصراع "إلى مستوى جديد من المواجهة".
ولكن السفير لم يقدّم أي إضافات أو إيضاحات حول هذا المستوى الجديد من المواجهة، وهو ما يترك الباب واسعاً أمام العديد من الاحتمالات أقربها للحصول هو سحب السفراء وتعليق العلاقات الديبلوماسية، وهو أقصى ما يمكن أن تقوم به روسيا المحاصرة اقتصادياً، والمنهكة عسكرياً وسياسياً وديبلوماسياً، بسبب خطوة متسرّعة وغير محسوبة العواقب.
سحب السفراء وتعليق العلاقات الديبلوماسية، هو أقصى ما يمكن أن تقوم به روسيا المحاصرة اقتصادياً، والمنهكة عسكرياً وسياسياً وديبلوماسياً، بسبب خطوة متسرّعة وغير محسوبة العواقب
الآن، تتهم موسكو برلين بشكل صريح بعدم سعيها إلى حل سياسي في أوكرانيا. ولكن المشكلة أنّ الروس تناسوا أنّ الموقف الألماني في حقبة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والذي اتسم بنوع من البرودة حيال خطوة بوتين نحو ضم جزيرة القرم، لم ينفع بشيء، بل أبقى شهية الكرملين مفتوحة، حيث قرّرت موسكو بعد 8 سنوات اجتياح أوكرانيا والمطالبة بها كجزء تاريخي من روسيا تحت مسميات عديدة مثل "حماية الأمن القومي" و"الرد على مخططات الناتو" وتأديب زيلينسكي الراغب في استعادة القرم. هنا وجب على روسيا أن تستذكر أيضاً، بأنّ ألمانيا كانت الدولة الوحيدة ضمن قائمة دول الناتو التي لم توافق على تخصيص 2% من إجمالي الناتج المحلي لكلّ دولة لنفقات الدفاع بعد أن قام بوتين بضمّ القرم.
استخدمت شركات ألمانية سابقاً أسلوب "الباب الخلفي" في تعاملها العسكري مع روسيا، وهي ثغرة قانونية في حظر الاتحاد الأوروبي على صادرات الأسلحة إلى روسيا، وتمكنت برلين من تزويد موسكو بمعدات عسكرية بقيمة 137 مليون دولار، واستمرت في ذلك حتى بعد بداية الاجتياح الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، بعد أن تصاعدت الاحتجاجات من دول البلطيق والدول الأعضاء الشرقية للاتحاد الأوروبي بضرورة تعديل النص القانوني الخاص بالحظر الأوروبي على صادرات الأسلحة إلى روسيا، فيما يخص المعدات "ذات الاستخدام المزدوج". والقصد من كلّ هذا الكلام أنّ برلين، وإن دعمت كييف، فإنها لا تدعم على أساس أخلاقي أو رغبة في الثأر التاريخي من الروس، وإنما تدعم على أساس براغماتي بحت، بعد أن تأكدت أنّ قصة الغاز الروسي انتهت تماما، وبعد أن صار لزاما السير في الخط الأميركي الذي يرى أنه لا مجال لإنهاء الحرب في أوكرانيا إلا بالنصر أو الهزيمة.
من المؤكد أنّ هذا القرار الألماني الأخير، سيعطي ثماره في الأيام القادمة بعد دخول الدبابات الألمانية في ميدان المعركة، لكن ولنكن واقعيين، فإنّ دبابات "ليوبارد 2" وحدها لا يمكنها أن تجلب النصر لزيلينسكي وحلفائه في هذه الحرب، على الرغم من أنّ الخطوة الألمانية في حدّ ذاتها ستجعل فلاديمير بوتين، مستعداً لتقديم بعض التنازلات في مفاوضاته مع الأوكران، خشية أن تتبع الخطوة الألمانية خطوات أخرى أكثر جرأة، بإمكانها أن تصل إلى الخيار الأخير، وهو: إما الانسحاب بشرف أو المواجهة النووية التي يخسر الجميع فيها.