خطة السلام الصينية في أوكرانيا... هل تنجح؟
في الوقت الذي لا تزال فيه قضية بالونات التجسّس الصينية تثير الصدى، كان مؤتمر ميونخ للأمن فرصة مناسبة للصين للترويج لمبادرة سلام تنهي الحرب المشتعلة في أوكرانيا منذ عام، حيث أعلن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، أن بكين ستسعى إلى المسار الدبلوماسي من أجل دفع عملية السلام التي من شأنها أن توقف الحرب عكس مسار العقوبات الذي لم يثن روسيا عن مواصلة عمليتها العسكرية.
المبادرة الصينية لقيت ترحيباً ألمانياً، لكن في نفس الوقت قوبلت بتشكيك أميركي أوروبي، إذ خرجت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، بتصريح تطلب فيه المزيد من "الأدلة" على أنّ الصين لا تعمل مع روسيا، وهو ما ذهب في اتجاهه تصريح وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، الذي أكد أنّ الشركات الصينية تقدّم دعماً لروسيا، كما أنّ هناك اتجاهاً من بكين لتقديم "دعم قاتل"، وإنّ تم ذلك، فإن له "عواقب وخيمة" على حدّ قوله، ولكن: لماذا تلجأ أرسولا وبلينكن في هذا الوقت بالذات، وبعد عام كامل من بداية الحرب، إلى الحديث عن فرضية دعم عسكري صيني للروس في الوقت الذي تتحدث فيه بكين عن حل سلمي؟ معنى هذا الكلام أنّ التشكيك في نوايا الصين هو إسقاط لمبادرتها قبل أن ترى النور، وهو تأكيد على أنّ الحرب ستكون معركة النفس الطويل، ولا نهاية لها حتى يتبيّن الغالب من المغلوب.
المبادرة الصينية لقيت ترحيباً محتشماً من قبل وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، لكنها وفي نفس الوقت نبهت بكين بأنّ الأسرة الدولية لن تقبل سياسة الأمر الواقع الذي تريد أن تفرضه روسيا بضمها أراضي أوكرانية، وهو ما يعني بأنّ الحديث عن فرص إيقاف الحرب لا يمكن أن تكون ناجحة، ولا يمكن أن ترضي أوكرانيا وحلفاءها إلا بعدول روسيا عن عمليتها العسكرية والانسحاب من كامل الأراضي الأوكرانية. ولكن ثمّة أسئلة مهمة ومنطقية تحدّد مدى استجابة الروس لحل سلمي في أوكرانيا، ولنفترض أنّ روسيا بإمكانها أن تتراجع، فما الضمانات التي يمكن أن يقدمها الغرب لبوتين حتى تزول الأسباب التي أدّت به إلى غزو أوكرانيا؟ وهل ستعود روسيا الى وضعها الطبيعي مع دول الغرب وهل ستسقط كافة العقوبات الاقتصادية حينها؟ وهل ستكف الولايات المتحدة الأميركية عن اتهام الروس بالوقوف وراء جرائم حرب ومجازر إنسانية تستدعي محاسبتها أمام الجنائية الدولية؟
مسألة التفاوض مع الروس أمر مستعبد في الوقت الحالي مادامت الولايات المتحدة ترى في أن الدعم العسكري الذي تعهد به الحلفاء سيأتي بنتائج لصالح أوكرانيا
إن مثل هذه المبادرة الصينية كان يفترض بها أن تطرح قبل بداية الحرب لا بعد أن تهيّأت كلّ الأسباب لاندلاعها، وبعد أن اتجهت كلّ الأطراف الغربية إلى ضرورة مواصلة الدعم العسكري لأوكرانيا التي تقاتل بالنيابة عن الجميع، ومع ذلك لا يمكن إنكار أنّ لروسيا دوراً كبيراً في اندلاع الحرب ودخول الأزمة مرحلة اللاعودة، إذ إنّ ضمها لشبه جزيرة القرم سنة 2014 وتغاضي الأسرة الدولية عن فعلتها فتح شهيتها لالتهام أوكرانيا كاملة.
إنّ التطورات الميدانية في ساحة الحرب هي المقياس الوحيد الذي يمكن أن تحدّد الإدارة الأميركية من خلاله موقفها ووجهة نظرها من التفاوض مع روسيا، فهي الآن ترى أنه لا يزال هناك الأمل في أن يواجه الروس الفشل في أوكرانيا، خاصة مع العديد من الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبوها في بداية الحرب، وبعد أن أظهر الجيش الأوكراني استماتة غير متوقعة واستطاعوا أن يعطلوا القوات الروسية في العديد من المحاور، وبالتالي فإنّ مسألة التفاوض مع الروس أمر مستعبد في الوقت الحالي مادامت الولايات المتحدة ترى في أن الدعم العسكري الذي تعهد به الحلفاء سيأتي بنتائج لصالح أوكرانيا، والتي من شأنها أن تعزّز موقفها التفاوضي وأن تجبر روسيا للانحناء للغرب.
ومن هذا المنطلق، فإن الخطوة الصينية وغيرها من المبادرات القادمة لن يكون لها أي تأثير على مسار الحرب، بعد أن قرّر الجميع أن الحسم فيها سيكون عسكرياً وليس دبلوماسياً.