لقمة العيش الفلسطينية أمرّ من المر
معاناة ما بعدها معاناة، يتكبّدها آلاف الفلسطينيين كلّ صباح أمام نقاط التفتيش الإسرائيلية، وهم في طريقهم إلى العمل داخل دولة الاحتلال؛ بدءاً من جهاز الكشف عن المعادن، إلى فحص تصريح العمل، فجهاز بصمات الأصابع.. ذلك هو الروتين اليومي الذي يصادف الجميع في الطريق إلى لقمة العيش، دون أن ننسى الطوابير البشرية التي تشتدّ في كلّ مرّة تشهد فيها إسرائيل اختراقاً أمنياً يستهدف أمنها الذي لم تنعم به رغم طول الجدران الإسمنتية وعشرات الحواجز والسواتر والآلاف من كاميرات المراقبة.
وفقاً لجهاز الإحصاء الفلسطيني، فإنّ عدد العمال الفلسطينيين في الداخل المحتل قد بلغ 200 ألف عامل، يستعمل غالبيتهم بشكل يومي الحواجز الإسرائيلية التي تحيط بالمناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية، وقد يستغرق العبور مسافة عشرة كيلومترات أكثر من ساعتين، أو ربما قد لا يتم أساساً، عندما يقرّر القائمون على المعابر إغلاقها دون إعطاء أيّ تفسير. وعادة ما يستعمل جنود الخدمة أساليب استفزازية تشحن الأجواء بين الطوابير المنتظرة وتزيد من منغصّات الحياة، ولحسن الحظ أنّ المعابر تكون أٌقلّ حراسة في طريق العودة في الحالات الأمنية الطبيعية. فتخيّل كيف يبدأ يوم العامل الفلسطيني، ولك أن تشعر قليلاً بحجم المعاناة اليومية التي يعيشها شعبٌ محتل.
تتقاسم النسوة أيضاً المعاناة نفسها مع الرجال من أجل العبور إلى لقمة العيش، على الرغم من وجود ما يسمّى "البوابة الإنسانية"، والتي من المفروض أن تسهّل عبورهن، ولكنها نادرا ما تكون مفتوحة. ولطالما تدخلت المنظمات غير الحكومية للمطالبة باستغلال البوابات المخصّصة لذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى لتسهيل عبور النساء وتجنيبهم مشقة الاصطفاف في طوابير الرجال، ولكن المطالبات دائماً تُقابل بالرفض باستعمال حجج مختلفة، وهو ما يدفع بالعديد من النساء إلى ترك عملهن بعد التعرّض لمشقة الروتين اليومي على حواجز الاحتلال، والتي وصفتها منظمة العمل الدولية بـ"غير الإنسانية والمهينة".
مع مجيء حكومة اليمين المتطرف، قد نشهد المزيد من التضييق على حركة الفلسطينيين، وإضافة الحواجز والتشديد على حركة الدخول والخروج
زعمت إسرائيل مؤخراً، بأنّ شعبة التحقيقات الجنائية التابعة للشرطة العسكرية الإسرائيلية قد فتحت تحقيقاً بعد شكاوى من سائقين فلسطينيين، بأنّ جنودا إسرائيليين قاموا بضربهم والاعتداء عليهم عند حاجز مكابيم شمال القدس؛ حيث ترتبط لقمة عيش هؤلاء السائقين بنقل العمال الفلسطينيين الخارجين من الداخل المحتل. وغالباً ما يتم إبعاد السائقين بالقوة من المناطق المقابلة للحواجز الأمنية، والحقيقة أنّ الأجهزة الأمنية في إسرائيل تعلم كلّ شاردة وواردة تحدث في نقاط التفتيش والعبور، وتعلم بالمضايقات والاستفزازات اليومية التي يقوم بها جنود الخدمة تجاه العشرات من العمال الفلسطينيين العابرين لنقاط التفتيش نحو وظائفهم، ولكنها لا تحرّك ساكناً، وتتجاهل الشكاوي المقدّمة من طرف الضحايا، ذلك لأنّ وجود العمال الفلسطينيين في إسرائيل هو في حدّ ذاته أمر غير مرّحب به، ولا يدخل ضمن مقاربة "إنعاش اقتصاد الفلسطينيين مقابل الاستقرار الأمني" التي يتحدّث عنها المسؤولون الأمنيون، وإنما لحاجة سوق العمل الإسرائيلي لليد العاملة، ومن منطلق أنّ غالبية الفلسطينيين المتحصلين على تصاريح العمل في إسرائيل، مضطرون للذهاب إلى هناك بعد أن أنفقوا مئات الدولارات للحصول عليها، وعليهم بالتالي تحمّل كل شيء.
كما تتخذ إسرائيل من هواجسها الأمنية ذريعة لفرض واقع مرير على الفلسطينيين الذين توّجهوا إلى سوق العمل الإسرائيلية بعد أن تقطعت بهم السبل نتيجة حصار اقتصادي يمارسه الاحتلال ليرهن من خلاله قوت الفلسطينيين ومصادر دخل السلطة، ويعمّق من جراح قطاع غزة الذي ترتفع فيه نسبة البطالة لمستويات قياسية، ما يجعل من تصاريح العمل الإسرائيلية مطلباً لشريحة كبيرة من شباب غزة الأبطال. ومع أنّ العمالة الفلسطينية تحقّق رقماً يفوق 800 مليون شيكل تساهم في انتعاش الأسواق وترفع من القدرة الشرائية لعائلات العاملين في إسرائيل، إلا أنّنا إن قارنا حجم الخسائر التي يتكبّدها الاقتصاد الفلسطيني بسبب التضييق الإسرائيلي، فلربما قد تكون عشرة أضعاف أو أكثر من المداخيل التي تحققها تصاريح العمل.
ومع مجيء حكومة اليمين المتطرف، يبدو أن الأمور ستتجه من سيئ إلى أسوأ، وقد نشهد المزيد من التضييق على حركة الفلسطينيين، وإضافة الحواجز والتشديد على حركة الدخول والخروج، على اعتبار أنّ المعالجة الأمنية التي سينتهجها بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير ستؤدي، وبلا شك، إلى المزيد من التصعيد، الأمر الذي سيترتب عليه المزيد من المعاناة عبر الحواجز الأمنية قياساً برفع مستوى التأهب.