كيف تتحول المجتمعات مع أمنها الغذائي؟

10 ابريل 2022
+ الخط -

من أزمة تلو أزمة، نعود لننتبه من جديد لما يحل بنا، ثم سرعان ما ننسى ما خلفته تلك الأزمات على مجتمعاتنا وشعوبنا، فمنذ بداية الجائحة، هرعت الشعوب لتفقد مخزونها الغذائي وقامت الحكومات بتطمينها بأن الخير كثير ومتوفر.

وجائتنا أزمة الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، لتدق ناقوس الخطر من جديد على أزمة الغذاء، ولتنذرنا بأننا نقترب فيها من أعوام الجوع. وتنذر باتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء من جديد، لأنها -أي الحرب- قد فاقمت أزمة الغذاء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديداً. هذا إن علمنا أن أوكرانيا وروسيا مصدّران رئيسيان للمنتجات الزراعية بالنسبة للعديد من دولنا.

وقد اطلعت على دراسة أكاديمية قام بها خبير زراعي وهو بروفيسور من جامعة ويل كورنيل الأميركية عن مشروع قرية العدسية الأردنية، وهذه الدراسة منشورة على الإنترنت، حيث يوضح فيها الباحث د. إيرج بوستشي أن العمليات العديدة التي أثّرت، وتشكّلت على مدى أكثر من تسعة عقود منذ أن أقام المهاجرون (العجم) الأوائل فيها، على العديد من التطوّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة المتنوّعة في العدسيّة، وكانت عملية إنتاج الغذاء الأكثر فاعلية. فقد جرى تخصيص جزء من أراضي كل مزارع لإنتاج الخضار والفاكهة، وخصّص الباقي  لمحاصيل الحبوب مثل القمح والشعير، وكذلك لزراعة الحمّص والفاصوليا.

إن التنمية الزراعية هي "مبدأ أساسي" لتقدم المجتمعات، ومرتبطة بإقامة السلام بين الدول

ففي وقت مبكر يصل إلى عام 1910، بدأ المزارعون البهائيّون في إنتاج المحاصيل الزراعيّة البحتة ومحاصيل الخضار والفاكهة. وهكذا جرى إنتاج القمح والشعير والحمّص والعدس والفاصوليا جنبًا إلى جنب مع الخضار والفواكه مثل الخيار والباذنجان والموز والبندورة والبرتقال، ولا بد أن كثيراً من الأجداد اليوم يستذكرون تسمية الباذنجان العجمي، لأنهم كانوا أي المهاجرون (العجم)، أول من أدخلوه.

كما أن إدخال الموز عن طريقهم إلى أنظمة إنتاج المزارعين يعتبر حالة من الابتكار والتنويع ومثيرة للاهتمام باستخدام نظام الحوض بدلاً من زراعة الصفوف التقليدية. وهو أفضل ممارسة ثقافية زراعيّة لمناخ العدسيّة. ويوضح الباحث أن سبباً آخر دعاه لإجراء هذه الدراسة، هو معرفة تأثير تطبيق القيم الأخلاقيّة والروحانيّة في العمل اليوميّ للمزارعين. هذه القيم كان لها تأثير كبير على أنظمة الإنتاج والتّسويق، ما أدّى إلى تحسين ثروات المزارعين وكذلك رفاه الأفراد والمجتمع على السواء. وربما تتمثّل إحدى السمات المهمّة لهذه الدراسة في أنّها تقدّم لمحة عن مشروع تنمويّ، فجرى تحويل دُغل العدسيّة إلى حقول منتجة مزدهرة من المحاصيل الزراعيّة، والبساتين، ومزارع الموز، واليوم، كم نحن بحاجة إلى مشاركة هذه التجربة لنشر ثقافة الزراعة لتشمل جميع محافظاتنا وقرانا.

إن إلقاء الضوء على مثل هذه المبادرات الزراعية، سواء كانت في الماضي أو حالياً، مثل مبادرة (ذكرى)، يعطينا لمحة عن كيف يمكن لمثل هذه المبادرات أن تقوم بنشر ثقافة الزراعة والسيادة الغذائية، خاصة أن الأمن الغذائي الأردني يصنف في دائرة الخطر. فالأردن يستورد نحو 90% من حاجاته الغذائية من الخارج، وهذا مؤشر اقتصادي خطير. 

وفكرة مشروع (ذكرى) إيجاد أراضي غير مستثمرة يمكن لأصحابها أن يقدموها للمشروع، ودعوة كل المهتمين وخاصة الشباب لزراعة القمح والحبوب وتشارك الأُسر في الزراعة والحصاد، ويأخذون نسبة منه لتحويله إلى خبز أو جريش أو برغل، ما يحقق الهدف من الكفاية الغذائية المنزلية والاستغناء عن المستورد، ويوزّع المحصول النهائي بين المشاركين/ات بعد خصم 10% زكاة المحصول لتوزيعه على المحتاجين. وأهتم صاحب المشروع ربيع زريقات بزراعة الحبوب عندما علم عن واقع الغذاء في الأردن.

باختصار، إن التنمية الزراعية هي "مبدأ أساسي" لتقدم المجتمعات، ومرتبطة بإقامة السلام بين الدول. ويجب إيلاء "اهتمام خاص" بالتنمية الزراعية. لأن مهمة بناء نظام اجتماعي واقتصادي جديد يرتبط بإعادة تصميم الزراعة لضمان الجدوى الاقتصادية للمنتجين في المجتمعات التي تعتمد على الذات. والسؤال هو كيف يمكننا المساعدة في هذا التحول؟ قد يكون أولا من خلال الأفكار والمبادرات المجتمعية التي ستساهم في تغيير ثقافتنا، والاهتمام الكامل بما نقوم به عندما نشارك فضل الأرض علينا والعمل بالأرض. والأهم، لا يمكن تنفيذ مهمة التنمية الزراعية بمعزل عن عملية التطور الأخلاقي المجتمعي.

68A247F7-2E17-41D0-936C-12D2B63A726B
تهاني روحي

صحافية وكاتبة ومحاضرة في حقوق الإنسان والتغيير الاجتماعي والإعلام والمسؤولية الاجتماعية وحوارات الأديان. وطيلة 25 عاما من خبرتها، تناولت القضايا الاجتماعية المتعلقة بحقوق الأقليات واللاجئين وقضايا النوع الاجتماعي. وهي منخرطة أيضا في رفع مستوى الوعي في الحوار مع الآخر المختلف، والعمل الاجتماعي.