كأس العالم وذوو الاحتياجات الخاصة

01 ديسمبر 2022
+ الخط -

نحتفي منذ بدء مونديال كأس العالم 2022 في دولة قطر بأخبار الاستعدادات والخدمات المقدّمة للضيوف والتسهيلات التي من شأنها تقليص أوقات الانتظار في المطار والطوابير، ناهيك عن قرب الملاعب من بعضها البعض ونظافة المرافق، وغيرها مما اجتهدت قطر في تقديمه للعالم ككلمة ترحيب فعلية، تتُرجم الوعود التي قطعها البلد المضيف وأوفى.

ورغم أهمية كلّ ما سبق ذكره، إلا أنّ ما شدّ انتباهي كمختص بالدمج وخدمات ذوي الاحتياجات الخاصة، هو الإحسان الذي ألزمتْ قطر نفسها به، ولم يكن غيابه ليُحدث أي بلبلة أو انتقادات لها علاقة بالرياضة. أتحدث هنا عن برنامج دمج متكامل، يشمل أماكن مخصّصة لذوي الاحتياجات الخاصة والحركية وتذاكر مجانية ومقاعد للمرافقين، وغرفًا حسيّة مخصّصة للمصابين باضطراب التوّحد وذوي التحديات الذهنية وغيرها.

زُوّدتْ هذه الغرف بشبابيك عملاقة تسمح لمرتاديها بمتابعة المباريات مع عزل صوتي يُريح أصحاب الحاجة الحسية من الضغط ويؤمن لهم مساحة تتسع لعشرة أشخاص معًا.

بل إنّ الأمر وصل إلى حدّ أن وضعوا في الحسبان أصحاب الأوزان الثقيلة، وخصّصوا مقاعد مناسبة لهم في حال حاجتها.

هذه بلا شك بادرة، تُشير إلى التخطيط الشامل وحجم التنظيم الدقيق الذي حظي به المونديال، مذ كان فكرة، وحتى أضحى مفخرة للعرب ومحطّ إعجاب وتقدير من الزوار والمقيمين.

بادرة تُشير إلى التخطيط الشامل وحجم التنظيم الدقيق الذي حظي به المونديال، مذ كان فكرة

تمتاز طبيعة عملي بالاحتكاك المباشر مع جنسيات كثيرة حول العالم بشكل يومي، ما يخلق ألفة بيننا، ويهدم أسوارًا غالبًا ما تكون عصية على الارتقاء. أتاحت لي الألفة أن يتقدّم الغربيون بسؤالي عن العرب والمال والنفط، وأُتيحت لي الإجابة عن هذه الأسئلة دون حرج أو تشنّج أو انفعال.

يسألني برتغالي: لقد حظيت قطر بالاستضافة لأنها دولة غنية أليس كذلك؟ أجبت بأنّ غنى الدولة سببٌ مهمٌ بلا شك، ولكن التقدم للاستضافة له معايير، أليس كذلك يا "فكتور"؟ ثم لو كانت الموافقة على ملف الاستضافة جاءت من باب إتاحة الفرصة لدول ومناطق جديدة في العالم، فلعلّ ما يشهده العالم الآن، شاهدٌ على نتاج تلك الفرص، وعلى ما تستطيع الدول العربية أن تقدمه.

يُقاطعني "كيْين"، وهو رجل صارم من المملكة المتحدة، لا يجامل أحداً: "بلا شك عبد الله! الصور والتقارير التي تصل من هناك مذهلة! رغم تقييد الحريات".

ولأنّ مسؤولي المباشر، خبير بالاحتياجات الخاصة والدمج وخدمات ذوي الهمم، سردتُ له، وللجالسين في غرفة التدخين، ما جئتُ على ذكره في المقال أعلاه من خدمات مخصّصة لذوي الاحتياجات الخاصة.

كان الجمهور في غرفة التدخين فاغري الأفواه، مفاجئين، والسجائر منسية في أيديهم، يهزون رؤوسهم ويتبادلون النظرات فيما بينهم معجبين.

عبد الله زيود
عبد الله الزيود
كاتب فلسطينيّ أردني، يعمل أخصّائيًا تربويًا في مجالي الإثراء والدمج ومنسقًا لخدمات الدعم في المدارس العالمية، حاصلٌ على عدّة جوائز أدبية منها، جائزة مؤسسة محمود درويش عام 2015. صدر له رواية تحت عنوان "يلتهم نفسه بادئًا بقدميه"، ورواية لليافعين تحت عنوان "العودة إلى ما بعد الكوكب الأحمر"، ومجموعة قصصية بعنوان "باولا". يقول "هذا كل ما لديّ: الكتابة. لستُ أعرف طريقةً أسمى للعيش، ولا مهرب من كلّ حزن الكون... سواها".