في سبل نشر الإيجابية
عزيز أشيبان
ثمة من يقبل على الناس مكفهر الوجه في صباح جميل من يوم جديد لا ندري ما قد يحمل في طياته من خير وبركات، يحيل تجهم وجهه على اليأس والمآسي والانكسار والانصراف عن الرغبة في الإقبال على الحياة وإطلاق العنان لسلطة اليأس ولهيب الأحزان. هناك من يختار تفريغ ما تعجّ به دواخله من قلق واضطرابات وأوجاع ونواقص دون الاكتراث بوقع فعله على الآخرين في انطواء تام على نفسه وانسياق جارف وراء تضخم الأنا لديه أو في استسلام لضعف قدرته على المقاومة.
بينما يصر فريق ثالث على تخريب الذات والآخرين، بإدراك أو بدونه، من خلال الاسترسال في اللوم الحاد والنقد الهدام والتبخيس والازدراء والتنمر. نتساءل ونشارك القارئ الكريم السؤال التالي: ما الحكمة من الارتماء في أحضان أحد التوجهات الثلاثة ما دام كل إنسان مثقلاً بالعيوب والصراعات الذاتية ويحمل ورده من المعاناة والاضطرابات؟ ربما ما يصنع الفارق هو الوعي الذاتي بمكنونات الدواخل وكيفية ضبط نزعاتها وردات الفعل الصادرة عنها وكيفية الانفتاح على العالم الخارجي.
تستقر التمثلات الثلاثة في جميع المجتمعات -مع حتمية وجود المزيد منها- وتتعمق وتسود وتستفحل مع تعمّق سلطة الجهل والفقر والاستبداد والتخلف وتستفز من الاضطرابات الذهنية والنفسية ما لا يعد ولا يحصى.
يتحرك الإنسان في مجموعته ويقدم إضافته وفق قناعاته وأفكاره واختياراته وتصوراته للمفاهيم والقيم، سعياً منه لإثبات وجود الذات وقيمتها ووظيفتها واحتياج الآخرين إلى خدماتها، فينال المدح والإطراء أو التوبيخ واللوم حسب نوعية القيمة المضافة التي يقدمها وتقييم الآخرين لها، ما يعبّد الطريق نحو الانصهار في المجموعة أو الانسحاب والانعزال.
يتحرك الإنسان في مجموعته ويقدم إضافته وفق قناعاته وأفكاره واختياراته وتصوراته للمفاهيم والقيم سعيا منه إلى إثبات وجود الذات وقيمتها
من المؤكد أن البيئة الاجتماعية في المنطقة العربية تئنّ تحت تأثير الأزمات والخيبات وحرارة التوق إلى أمجاد الماضي وفشل تصورات التدبير القائم. لذلك، من الضروري التماس مقاربة مغايرة عن المنحى العام والإقدام على صنع التغيير بدءاً من الذات طلباً للنجاة. من وجهة نظر عقلانية، تستهدف تجربة التأثير في البيئة العامة ومحاولة الإسهام في صناعة التغيير خدمة الفرد والجماعة بكيفية متبادلة ما دامت تلك البيئة هي مكان تحرك ونشاط وتطور الفرد. فضلاً عن ذلك، من المستحيل انتظار صناعة السعادة ممن تفنّن في هندسة الأزمات وحوّل معاش الناس إلى جحيم وكآبة، وانصرف نحو خدمة مآربه الشخصية عوض الانفتاح على مطالب الناس ومعاناتهم. كما يبدو من الخبل الاتكال على الآخرين في إدخال الفرح على الذات والاستجابة لكل ما يسعدها في تبعية قاتلة لتقلبات مزاج الناس وأهوائهم. لذلك نرى أنه لا مفر من معاكسة التوجه العام والشروع في التغيير من الذات، وضمنياً في دعوة الآخرين إلى الانخراط في نشر ومشاركة أي فكرة أو مبادرة جميلة لها أثر على الذات والمجموعة على حد سواء. نتحدث عن مقاربة التداوي الفردي التي تخدم التداوي الجماعي وتتقوى بمخرجاته.
مما لا مرية فيه، أن خيار نشر الإيجابية ضرب من الممانعة والمجابهة والمكابدة في ثنايا رحلة مقاومة تتوخى السمو والتغيير والنضج وتتحقق باتباع عدة سبل تتحول إلى نمط عيش وسلوك اعتيادي ينطلق من التحضير الذهني للرحلة والتشبع بالقناعات والرؤى التي تحول الرحلة إلى حالة ذهنية صرفة ثم الاسترسال في السلوكيات البسيطة المرجو تحويلها إلى عادات. نركز على فضيلة الابتسامة التي لها سحر ووقع في النفوس وتبعث الأمل والتفاؤل وتمنح القبول والمحبة وتقوي العلاقات والوشائج وتنفرد برمزية نشر الإيجابية وصدق حب الآخرين. نمر بعد ذلك إلى وجوب الصفح والترفع والتعبير عن الامتنان والمودة واحترام الآخرين وتبادل الهدايا وتقديم عبارات الإطراء والمجاملة من أجل التشجيع والتحفيز. نصل إلى مشاركة الأخبار السارة وفرحة الإنجازات الشخصية من أجل بثّ الأمل في النفوس وحشد الهمم وتنشيط قيم العمل والكد والاجتهاد. كل ما ذكرناه من سبل لا يجدي ولا يفيد في غياب الامتناع عن نشر الفكر السلبي وإيقاف زحف الأخبار الزائفة والفضائح وعدم حضور حسن الظن بالآخرين، لكن دون الوقوع في الطيبة والبراءة المبالغ فيه.