"فرحة"... مأساة تخيف إسرائيل
"من الجنون أن تبث نتفليكس فيلماً هدفه خلق ذريعة كاذبة والتحريض على كراهية الجنود الإسرائيليين"، هذا ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان، في بيان نشره على تويتر، معترضاً على فيلم درامي يتناول قصة إنسانية عن فتاة فلسطينية عاصرت النكبة الفلسطينية وعاشت بعض تفاصيلها.
تعيش الفتاة الطموحة والجريئة "فرحة" في بيت والدها مختار القرية على حلم أن تخرج من قريتها وتدرس في المدينة بدلاً من الكُتّاب، وقبيل بلوغها تحقيق حلمها بشقّ الأنفس، تقتحم عصابات الهاغاناه الصهيونية قريتها وتقتل من استطاعت وتشرّد الباقين، ليخرج والدها مدافعاً عن بيته بعد أن يخفيها في غرفة في منزلهم لئلا تتعرّض للقتل خارجه.
تبقى الفتاة حبيسة غرفتها لتشهد من ثقب باب محبسها جزءاً يسيراً من جرائم الإبادة المروّعة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق النساء والأطفال.
ويتناول الفيلم التفاعلات النفسية والاجتماعية لقصة "فرحة" بما عاشته من حياة تراجيدية مليئة بالحزن والغصّة مثلها مثل مئات الألوف من الفلسطينيين، الذين تمّ تشتيتهم ليعيشوا متفرقين في مئات مناطق اللجوء منذ ثمانين عاماً.
رغم شح الأعمال الفنية التي تتحدّث عن النكبة الفلسطينية، وندرة تلك الأعمال التي تتحدث عن القصص الشخصية للنكبة، إلا أنّ الاحتلال ضاق ذرعاً بهذا العمل، وحشّد ضده حملة كراهية كبيرة، انبرى للتحريض والمشاركة فيها وزراء وساسة وبرلمانيون إسرائيليون، حيث طالب عضو الكنيست الإسرائيلي العنصري المتطرف إيتمار بن غفير بألا تمر إسرائيل بصمت على محاولة الفيلم تسويق ما وصفها بـ"مؤامرة الدم" التي يتردّد صداها ضد إسرائيل في جميع أنحاء العالم.
إسرائيل التي أقلقت منام العالم بقضية الهولوكوست، وأنتجت لها آلاف الأعمال المبنية على الكذب وتزوير التاريخ والمبالغة في المظلومية، لا تستوعب أن يحكي الفلسطيني أو العربي حكايته، وترتعد فرائص الدولة وتستشعر تهديداً وجودياً عند المساس بأحقية وجودها أو أصله أو كيفيته!
عن "فرحة" التي نعرفها، وعن ألف "فرحة" لا نعرفها، سنظل نتحدث ونحكي ونروي القصص
إسرائيل التي تقتل الناس على مرأى العالم، ولا تهتز لها شعرة، كونها تعلم أن المحاولة الغربية لكبح جماحها لن تتجاوز كونها ضرباً من الهزلية الأُسَرية لأبٍ يعاتب طفلَه بكلامٍ ناعمٍ لأنه سعيدٌ (سرّاً) بشقاوة الصبي! لا تستطيع تمرير عمل درامي كهذا، لأنها تعلم حجم الأثر العالمي المترتب عليه، خصوصاً في الغرب (درعها الحامي وحليفها الاستراتيجي).
تخشى إسرائيل من وصفها بدولة احتلال، وتبذل كلّ يوم جهداً كبيراً ومالاً عظيماً وتنسج علاقات واسعة لتغيير هذه الصورة، في محاولة منها لإيجاد مكان طبيعي لها في الجغرافيا والتاريخ، ولتُنسي العالم أنها عصابة قامت على مذبحة عرقية، وهذا ما أغاظها من "فرحة"، إذ إنها تفاجأ عند كلّ حدث يجدد ذكر نكبة فلسطين من حجم العداء العالمي المكنون لها، والتي كان آخرها مونديال قطر 2022، الذي شاهدنا فيه جميعاً كيف أنّ فلسطين، وحدها فقط كقضية، هي من تستطيع التربّع على عرش الحضور العالمي كأهم قضية إنسانية عرفها التاريخ المعاصر.
عن أهمية الصورة، عن أثر الحكاية، عن التاريخ المحفور في الذاكرة، عن الوطن المسلوب، عن "فرحة" التي نعرفها، وعن ألف "فرحة" لا نعرفها، سنظل نتحدث ونحكي ونروي القصص.
ستظل الأجيال مدينة دوماً لدارين سلام، وحاتم علي، وجولييت عواد، وكلّ من ساهم في كتابة تاريخ شعب يستميت عدوّه لجعله طيّ النسيان.