عن إصابتي بفيروس كورونا
كل ما هو مجهول تقريباً تفوح منه رائحة الخطر والموت، ويجعل الإنسان يشعر بالخوف والقلق والتوتر، وهذا يدفعه إلى أن يكون حذراً ومتيقظاً أثناء استكشافه ومواجهته أي مجهول تحسباً من حدوث شيء ما قد يهدد حياته وينهيها، أو يتسبب بأذيته جسدياً ونفسياً.
يبالغ بعض الأشخاص في الخوف من المجهول لدرجة تجعلهم مرعوبين طوال الوقت، وعاجزين عن المواجهة والاستكشاف، هذه المبالغة قد تؤدي أحياناً إلى دخولهم في دوامة من الوساوس والأوهام وتعطيل حياتهم على عدة مستويات.
مما لا شك فيه أنّ هناك أشياء مجهولة، يسعى الإنسان لاكتشافها بدافع الفضول والمتعة دون أنْ يشعر بالخوف والقلق.
كان فيروس كورونا مع بداية انتشاره مجهولاً غامضاً، يهدد البشرية بالموت والفناء، وبسببه ارتفع معدل الخوف والقلق والتوتر لدى غالبية سكان كوكب الأرض، خاصة أنّ العلم والطب والدين وقادة الدول وأصحاب النفوذ في العالم كله كانوا عاجزين عن فعل أي شيء لمواجهته.
هناك أشخاص اعتبروا فيروس كورونا في بداية ظهوره كذبة ومؤامرة، بينما رأى آخرون أنّه فيروس قد يكون مميتاً، ولكنّه لا يستحق كل هذه الضجة التي تُثار حوله، إلا أنّ الأكثرية اعتبرتهُ قاتلاً لا مثيل له، وللأمانة التاريخية، كنت واحداً من تلك الأكثرية.
عدد المقالات التي كنتُ أقرأها، والأخبار التي أسمعها بشكل يومي ولعدة ساعات عن الفيروس، كانت كفيلة بجعلي خائفاً ومتوتراً طوال الوقت. مع تزايد عدد الوفيات في العالم ووصول الفيروس إلى بلدي سورية، زاد خوفي وقلقي لدرجة أنني في بعض اللحظات كنت أفقد الشعور بالواقع متوهماً أنّ ما يحدث مجرد كابوس سينتهي لحظة أستيقظ.
الإصابة الوهمية بفيروس كورونا
في بعض الليالي، ومن شدة الخوف والوساوس التي كانت تدور في ذهني بسبب الفيروس، كنتُ أشعر بألم في حلقي وارتفاع في درجة الحرارة ووهن عام في جسدي، ومع الصباح تزول كل هذه الأعراض، لم يكن هناك شيء يخفف من تلك الأوهام والمخاوف في بعض الأحيان، سوى التزامي بالرياضة بشكل يومي واتباعي نظاما غذائيا صحيا، والتقيد بغالبية التعليمات الوقائية مثل التباعد الاجتماعي وغسل اليدين، وتعقيم غالبية الأشياء التي تدخل إلى منزلي.
كنت أشعر بالخوف، كلما تخيلتُ نفسي مصاباً بالفيروس، مفترضاً بأنني سأعاني من آلام مبرحة في المفاصل والعضلات وسعال قوي ومستمر وضيق في التنفس وربما أموت! وعلى الصعيد النفسي، سأتعرض للتنمر والنَبذ وأصبحُ شخصاً غير مرغوب فيه ويشكل خطراً على حياة الآخرين. وتفادياً لشعوري بالذنب وتأنيب الضمير، كنتُ أفكر كيف سأعزل نفسي بشكل جيد، بحيث لا أنقل العدوى للآخرين، وخاصة والديّ المُسنَّين اللذين أشاركهما السكن.
هناك أشخاص اعتبروا فيروس كورونا في بداية ظهوره كذبة ومؤامرة، بينما رأى آخرون أنّه فيروس قد يكون مميتاً، ولكنّه لا يستحق كل هذه الضجة التي تُثار حوله
بناءً على ما قرأته وسمعته عن آلية عزل المصاب بفيروس كورونا في المنزل، تبين لي أنّ الأثرياء فقط هم من يستطيعون فعل ذلك كما ينبغي، أما الفقراء وأصحاب الدخل المحدود فالأمر بالنسبة إليهم في غاية الصعوبة إنْ لم يكن مستحيلاً. فمثلاً: كيف يمكن لعائلة مؤلفة من الزوجة والزوج وثلاثة أولاد، ولديهم بيت مساحته أقل من مائة متر، ويحتوي على غرفتين وصالون وحمام ومطبخ، ودخلهم بالكاد يكفيهم لتأمين ضروريات الحياة الأساسية، أنْ يعزلوا من يُصاب منهم وفقاً للتعليمات والنصائح الموصى بها؟
البداية المرعبة للفيروس
يمكنني القول إنني تعاملتُ بجدية مع الفيروس في بدايته، لدرجة فرضتُ فيها على إخوتي وأبنائهم تعليمات صارمة، فمثلاً من كان يشعر بعارض واحد من أعراض كورونا، مهما كان طفيفاً، أتعامل معه على أنّه مصاب، وأمنعه من الدخول إلى منزلي الذي أعيش فيه مع والديّ، خوفاً من نقل العدوى إليهما وإلى أيضاً، وأطلب منه الابتعاد عن أفراد أسرته قدر المستطاع، وعدم مغادرة المنزل والاحتكاك بالناس، وأتصل به خلال اليوم أكثر من مرة لأطمئن عن صحته، وأدعمه نفسيّاً.
مع مرور الوقت، شعرت بالملل والتعب، وأصبحتُ أقل حرصاً والتزاماً بالتعليمات والتدابير الوقائية التي كنت أقوم بها مع بداية انتشار الفيروس، لكنني لم أتخلَّ عن النظام الغذائي الصحي والرياضة.
بتاريخ 20 ديسمبر/كانون الأول 2021، ومع مغيب الشمس، شعرتُ بألم مُبرح أسفل ضهري، رافقه ألم في مفاصل الأطراف السفلية، وارتفاع طفيف في درجة الحرارة ووهن عام في جسدي من دون سعال أو ضيق في التنفس، وفيما بعد فقدان الرغبة في تناول الطعام.
أظن أنّ اهتمامي بحالتي النفسية عند الإصابة، والتفكير بشكل إيجابي والابتعاد عن الأفكار السلبية والأوهام، أمور كان لها دورٌ فعّالٌ في شفائي
بعد عدة ساعات، اتصلت بأحد الأطباء وأخبرته بالأعراض، فوصف لي مُسكن ألم وخافض حرارة وفيتامين C وD وقال لي: هناك احتمال كبير أنْ تكون مصاباً بفيروس كورونا.
لم يخطر ببالي إجراء أي فحص لأتأكد من الأمر، لأنني اعتبرتُ نفسي مصاباً، وعلى الفور قمت بالابتعاد عن والديّ وباقي أفراد الأسرة، وأصبحتُ أرتدي كمامة في حال خرجتُ من غرفتي، وأترك مسافة آمنة بيني وبين الآخرين، وأعقم أي شيء ألمسه في منزلي.
بعد ثلاثة أيام من الإصابة بالفيروس، تراجعت الأعراض المتعلقة بألم الظهر والمفاصل والوهن العام والحرارة، لكنني فقدت حاستي الشم والذوق، وخسرت كيلوغرامين اثنين من وزني الذي أمضيت شهرين من الرياضة والتغذية للحصول عليهما. فقدان حاستيّ الشم والذوق جعلني أشعر بالقلق والضيق بالرغم من أنه لا يعتبر خطيراً مقارنة مع نقص الأكسجة مثلاً، إلا أنه كان مؤذيا على الصعيد النفسي بالنسبة إليّ، فمع فقدان الحاستين، فقدت كل الأشياء الممتعة والجميلة المتعلقة بهما، وأحسستُ أن هناك موتاً جزئياً قد أصاب جسدي.
الغريب في الأمر أنني لم أشعر بالخوف والرعب الذي كنت فيما مضى أشعر بهما لمجرد التفكير بأن الفيروس قد يصيبني!، واكتشفتُ أنّ كل ما كنت أفكر فيه وأتخيله ويرعبني كان على أرض الواقع أخف بكثير، فالأفكار والافتراضات التي كانت تدور في داخلي بخصوص الفيروس كان فيها كثير من المبالغة على الأصعدة كافة.
هل أنا محظوظ؟
جسدياً، فيروس كورونا لم يُسبب لي أي أذى يُذكر مقارنة مع بعض الإصابات التي حدثت لأشخاص أعرفهم أو سمعتُ عنهم، وأظن أنّ السبب يعود للقاح الذي تلقيته، وللبيئة القروية النظيفة التي أعيش فيها، والنظام الغذائي الصحي والتمارين الرياضية، وربما هناك أسباب أخرى لا أعرفها، لها علاقة بجهاز المناعة لديّ، وحالتي النفسية، وبنوع الفيروس الذي أصابني وقوته، وغير ذلك..
نفسياً، لم أعانِ من نوبات الهلع والشعور بأنني سأموت، ولم أشعر بالخوف أو أدخل في دوامة الوساوس والافتراضات، ولم يخطر في بالي أنني قد أحتاج إلى دخول المستشفى، إضافة إلى أنني لم أتعرض للتنمر والنبذ من المحيطين بي، وخاصة والديّ وإخوتي وأبناءهم؛ لأن غالبيتهم لا يأخذون فيروس كورونا على محمل الجد، ويعتبرونه نوعاً من الإنفلونزا القوية يمكنها قتل الأشخاص الذين لديهم أمراض مزمنة ومناعتهم ضعيفة فقط. في الحقيقة، ليس أفراد عائلتي هم الوحيدون من يعتبرون الفيروس نوعاً من الإنفلونزا، بل الأغلبية الساحقة من سكان قريتي وكثير من أبناء مدينتي أيضاً!
مالياً؛ لم يكلفني الأمر سوى اتصال هاتفي بأحد الأطباء وثمن الأدوية الذي يعتبر بسيطاً، مع العلم أن هناك أشخاصاً حين أصابهم الفيروس كلفهم العلاج ملايين الليرات السورية، وبعضهم للأسف فارق الحياة.
بناءً على كل ما ذكرته، يمكنني القول إنني كنتُ محظوظاً جداً، ويمكنني القول أيضاً إنّ الخوف من الإصابة بكورونا بالنسبة إليّ كان أكبر بكثير من خوفي حين أُصبتُ على أرض الواقع، وأظن أنّ اهتمامي بحالتي النفسية عند الإصابة، والتفكير بشكل إيجابي والابتعاد عن الأفكار السلبية والأوهام، أمور كان لها دورٌ فعّالٌ في شفائي.