الانفصال في علاقات الحب والخيانة
يقول عالم النفس إريك فروم: إنّ كلّ مأساة الإنسان ومعاناته نابعة من فكرة الانفصال، بدءاً من الانفصال عن الجنة، مروراً بالانفصال عن ثدي الأم وعن الطبيعة، وصولاً إلى الانفصال عن المجتمع. وبالتالي، يسعى الفرد طوال حياته للالتحام مجدّداً. هذه الرغبة توجّههُ نحو الجنس والصداقات والعمل والكحول والمخدرات، أيّ أمرٍ ينسيه ولو لساعات أنّه منفصل. يتوهّم الفرد أنّ الحب هو الخلاص، وفي بعض الأحيان يصير الجنون هو الحل، ليختفي الانفصال باختفاء الإدراك.
الانفصال في علاقات الحب
برأيي الشخصي، التفاصيل الصغيرة والهامشية التي تتراكم مع الوقت لها أحياناً نفس تأثير المواقف والأحداث الكبيرة التي تُسبّب الانفصال بين شخصين تجمعهم علاقة عاطفية.
وأحياناً، قد تكون أسباب الانفصال التي يُعلن عنها أحد الشريكين ليست الأسباب الحقيقية. لماذا؟ لأنّ الأسباب الحقيقية قد تجرح مشاعر الشريك، وربّما تدمره على المستوى النفسي والعاطفي، وتفادياً لأذيته، نقول أسباباً قد لا تكون مقنعة كثيراً ولكنها أقل قسوة وألماً. بالطبع، هناك من يكون صريحاً، بل ويبالغ في اختلاق أسباب لا وجود لها بهدف سحق الطرف الآخر وتدميره.
أظن أنه لا توجد حالة انفصال لا يرافقها الحد الأدنى من الشعور بالانزعاج والتعب النفسي، حتى لو كان الطرفان مقتنعَين أنّ علاقتهما من المستحيل استمرارها، وفيها كثير من المشاكل والخلافات، وأنها أصبحت مرهقة وغير مريحة ومن الصواب أن تنتهي.
تعدّد الزوجات هو أحد أقسى أشكال الخيانة الجنسية والعاطفية المعلنة، والتي يوافق عليها الدين وغالبية المجتمع
معظم العلاقات في مرحلة الانفصال يحدث فيها نقاش حاد وقسوة واتهامات وقلّة احترام وتجريح للمشاعر، وفي بعض الأحيان، قد يستخدم أحد الطرفين أو كلاهما العنف الجسدي والنفسي بعضهما بحق بعض.
مما لاشك فيه أنّ هناك علاقات تنتهي بهدوء واحترام، حيث يأتي قرار الانفصال فيها بعد نقاش عقلاني ومنطقي بين الشريكين حول سلبيات وإيجابيات علاقتهما واستحالة استمرارها. هذا الانفصال مؤلم أيضاً!
الانفصال بسبب الخيانة
الخيانة، مصطلح فضفاض وله أشكال عديدة منها: الخيانة الجنسية والعاطفية اللتان تعتبران أحد أكثر أسباب الانفصال شيوعاً.
إنّ قلّة الاهتمام والبرود والرتابة في العلاقة من قبل أحد الشريكين قد تكون سبباً في حدوث خيانة عاطفية، حيث يتم اللجوء إلى شخص آخر بهدف تلبية تلك الحاجات العاطفية من دون أي فعل جنسي غالباً.
أما الخيانة الجنسية فقد يكون سببها أنّ الشريك يعلم بخيانتك الجنسية أو العاطفية له أو أنّك أناني في السرير وغير ذلك الكثير، لذا وكردّ فعل، يدخل بعلاقة جنسية بهدف الانتقام أو التعويض أو كليهما معاً.
بعض الخيانات الأنثوية التي أعرفها كان أحد أهم أسبابها المواقف والسلوكيات السلبية التي يقوم بها الشريك الذكر
من خلال سؤالي لعدد من الأشخاص من الجنسين، ومن أعمار وبيئات ثقافية واجتماعية متفاوتة، تبيّن لي أنّ الأكثرية يرون الخيانة الجنسية من دون عاطفة الحب من الممكن غفرانها، وهي أقل ألماً ويمكن اعتبارها نزوة، ولكن بشرط ألّا تتكرّر، بينما الخيانة العاطفية أكثر ألماً ومدمرة ولا تُغتفر. وهناك من رأى أنّه لا يوجد فرق بين الخيانتين، وأن كلتيهما لا تُغتفران.
برأيي أنّ تعدّد الزوجات هو أحد أقسى أشكال الخيانة الجنسية والعاطفية المعلنة، والتي يوافق عليها الدين وغالبية المجتمع، رغم ذلك، لا تؤدي إلى الانفصال في أكثر الأحيان! الزوجة الجديدة بالرغم من الاهتمام والحب الذي تحظى به هي تتعرّض للخيانة بشكل ما بسبب وجود زوجة أخرى، والعكس صحيح.
تنتهي العلاقة ويبقى الحب
هناك علاقات حبّ تنتهي بالانفصال لأنّ الشريكين يعجزان عن إيجاد حلول لمشاكلهما، وفي نفس الوقت، لا يستطيعان العيش والاستمرار بشكل مريح في ظلّ وجود هذه المشاكل. فمثلاً، من الصعب والمنهك الاستمرار مع شخص لا يثق بالآخر نتيجة أزمات ومواقف مرّ بها، أو شخص لا يمكنه أن يقاوم أي إغراء جنسي أو عاطفي خارجي رغم وجود الشريك، ومن الصعب أيضاً الاستمرار مع شخص متسلّط وأناني وبخيل وغير ذلك.
الانفصال قد يأتي بقرار عقلي ومنطقي أو نتيجة لحالة انفعال وغضب شديدين، وفي الحالتين كلتيهما، لا يمكن التوقف فجأةً عن الشعور بالحب تجاه الشخص الذي انفصلنا عنه، ولا يمكن للعقل ولا المنطق، بل لا يمكن لشيء في الوجود أن يُوقف هذه المشاعر، وخاصة في الأشهر الأولى. القلب يحتاج للوقت كي يتعافى.
المرأة لا تخون!
حين تحدث الخيانة العاطفية أو الجنسية أو الاثنتان معاً، من النادر جداً أن يسأل الشخص المُخان: لماذا خانني الشريك؟ وغالباً يركز اهتمامه مع من خانني؟ بماذا هذا الشخص الذي خانني معه أفضل مني؟ إضافة إلى الهجوم الشرس والعنيف على الشريك الذي قام بفعل الخيانة، والذي قد يصل إلى ارتكاب جريمة القتل أحياناً.
أظن أنّ الإجابة عن سؤال لماذا خانني الشريك هي الأهم، لأنه في حال أجبنا على السؤال، فقد نكتشف أننا، ومن دون أن ننتبه، كُنّا أحد أسباب حدوث هذه الخيانة، ما يجعل وقع الخيانة ربّما أقل قسوة وألم، وردود الأفعال تجاه الآخر أقل عنفاً وأذية.
لا توجد حالة انفصال لا يرافقها الحد الأدنى من الشعور بالانزعاج والتعب النفسي، حتى لو كان الطرفان مقتنعَين أنّ علاقتهما من المستحيل استمرارها
مما لاشك فيه أنّ هناك نساءً ورجالاً يقومون بفعل الخيانة العاطفية والجنسية لأسباب كثيرة، مثل الاستمتاع بتعدّد العلاقات وعدم الاكتفاء بشريك واحد فقط، أو بسبب مواقف وأزمات تعرّضوا لها في الماضي. ولكن هذا النوع من الخيانة يقوم بها الذكر أكثر من الأنثى في المجتمعات العربية لأسباب عدّة، منها أنّ المجتمع ذكوري وعقاب الذكر فيه على كافة المستويات يكاد لا يُذكر مقارنة بالأنثى.
لا أذكر من قال: المرأة لا تخون، المرأة تستجيب! لا أقصد بهذه العبارة تبرير خيانة المرأة وتجميلها، لأنها تخون أيضاً كما يخون الرجل. لكن بعض الخيانات الأنثوية التي أعرفها كان أحد أهم أسبابها المواقف والسلوكيات السلبية التي يقوم بها الشريك الذكر. بهذا المعنى هي لا تخون بل تستجيب لرغبتها في الانتقام لكرامتها ومشاعرها وجسدها، تستجيب لرغبتها الانفعالية بردّ الصفعة المؤلمة للرجل.
مما لاشك فيه أنّ الأسباب التي قد تؤدي إلى الانفصال قبل الزواج هي نفسها قد تؤدي إليه بعد الزواج، مضافةً إليها أسباب أخرى تنشأ بسبب الحياة المشتركة، بداية من كيف ينام ويأكل الشريك/ة، وانتهاءً بالعلاقات مع العائلة والأصدقاء والمجتمع، بين هاتين البداية والنهاية، هناك حياة كاملة من الخلافات الصغيرة والكبيرة التي قد تُنهي العلاقة الزوجية.