عام على ظهور أول حالة كورونا في الأردن
يصادف اليوم مرور عام على صدمة خبر تسجيل أول حالة لشخص مصاب بفيروس كورونا في الأردن، ونستذكر كيف كانت طريقة تعاطي الأردنيين معها بصورة مبالغ فيها. وما بين انتهاك خصوصية المصاب وسؤاله أسئله لا داعي لها وهو يعاني من المرض والوجع النفسي قبل الجسدي. وما بين البرودة أو الخدران الذي أصاب الأردنيين هم أنفسهم أمام تسجيل الآلاف من الحالات أيضاً بعد مرور عام فقط.
عام ونحن ما زلنا في موقف الصدمة أحياناً والإنكار والسخرية أحياناً أخرى. وبما أن المؤشرات العالمية تقول إننا لا بد لنا من التعايش مع هذا الفيروس اللعين بطرق وقائية لعدة سنوات قادمة، إذا علينا أن نتسائل عن الدور المنشود لجميع قطاعات المجتمع في ظل هذه الأزمة وكيف يمكن معاً أن نمضي قدماً ونخرج من هذه الحالة.
فدور رجال الدين مهم في تسليط الضوء على الخصال الأخلاقية والروحانية المصاحبة لجائحة كورونا، خاصة في ما يعانيه مجتمعنا من أزمة اقتصادية خانقة حيث لا يمكن التفكر فيها بمعزل عن موضوع التكافل الاجتماعي والاقتصادي والعطاء والمشاركة المجتمعية. ودور القادة المجتمعيين في ترسيخ هكذا ثقافة لن نصل بدونها للمفهوم العميق للعطاء والتعاون المجتمعي.
نتمنى أن نخرج من هذه الأزمة بسلام وبأقل الأضرار النفسية والجسدية والاقتصادية وقد تعلمنا الكثير من الدروس الحياتية المستفادة
فالجائحة قد كشفت مدى الحاجة للتفكير بطريقة أنضج في موضوع التكافل الاقتصادي. وبما أن الإغلاقات وحظر الجمعة وغيرها من التدابير قد خلقت لنا وقتاً أفضل ونحن متسمرون خلف شاشاتنا وقضينا جل وقتنا على وسائل التواصل الاجتماعي والتي استحوذت فيها نقاشات لأخبار يعاد تدويرها عشرات المرات في الساعة الواحدة. فمن المفيد أن نأخذ في الاعتبار أنّ وسائل التواصل هذه ما هي إلا مرآة لما يجري في المجتمع من حولنا. ونجد في صفحاتها، نفس القوى المتنافسة من هدم وبناء التي يتّصف بها الاضطراب الذي يلفّ المجتمعات. لذا فعلينا أن نكون بمنأى عن القوى السّلبيّة التي تعمل في إطاره، ونستفيد من الإمكانات التي يتيحها في العمل على نشر الكلمة الطيبة والتّأثير في النّفوس وإنعاش أرواحها.
لذلك يجب علينا كقادة فكر في المجتمع، توسيع آفاق الرّؤية في ما يتعلق بالمسائل الرّوحانيّة والاجتماعيّة التي تواجهنا، وصياغة الحوار بأسلوب موحِّد، والتّركيز على الإمكانيّات والفرص الواعدة المتاحة حاليًّا في الشّؤون الإنسانيّة العميقة، ونعرف ما هي الدروس المستقاة من هذه الجائحة وكيف يمكننا المضي قدما. فإذا ما استُخدمت وسائل التواصل بهذه الطريقة، فهي تبعث الأمل إزاء الوضع الإنساني وتركز على القيم المجتمعية الإنسانية في وقت الجائحة وأهمية التصالح بين العلم والدين وخاصة في ما يتعلق باللقاحات.
إن ضياع "الثقة" بين مختلف مكونات المجتمع، هو جانب آخر في تفاقم المشكلة. فالمعلومات التي تتدفق من الصحة والجهات المختصة تقابلها في نفس اليوم وعلى وسائل التواصل الاجتماعي حالة من الرفض والاستنكار، ولا يمكن بالطبع وقف سيل الإشاعات ونظريات المؤامرة الجارف. وخلال هذا العام كانت شرائح واسعة تنكر وجود الفيروس وبعد الإقرار به وبوجوده لا تزال شريحة كبرى مشككة في فعالية اللقاحات وجدواها مما يعني أننا لن نصل للمناعة المجتمعية إلا في وقت متأخر جداً.
فهل قصر الإعلام في تغطيات الجائحة عالمياً ومحلياً بدرجة لم تضمن رفع الوعي المجتمعي حول هذا المرض؟ وهل قام ببث رسائل إعلامية من الأمل والطمأنينة في نفوس فئات المهمشين والضعفاء كاللاجئين السوريين، العمال، كبار السن وحتى الأطفال؟ هل كانت لدينا خطة لتطوير محتوى إعلامي مناسب لمواجهة الطلب المتزايد على المحتوى المتعلق بفيروس كورونا، في ضوء تضارب المعلومات العلمية تارة، والتهويل وإثارة الهلع تارة أخرى؟
نعم، لقد كان عاماً قاسياً للأردنيين والعالم أجمع، إلا أننا تعلمنا منه الكثير، تعلمنا أن تغليب الخير العام هو أمر أساسي لا بد منه، فإجراءات التباعد والاحتياطات هي بالمحصلة تصب في مصلحة المجتمع ككل، وأن التكافل الاجتماعي هو سمة من سمات المجتمعات المتحضرة. ونتمنى أن نخرج من هذه الأزمة بسلام وبأقل الأضرار النفسية والجسدية والاقتصادية وقد تعلمنا الكثير من الدروس الحياتية المستفادة.