صورة "أبو تركي" مع بارودة الصيد

04 أكتوبر 2018
+ الخط -
كان العم أبو تركي يحب حمل السلاح والمشي به في أزقة البلدة. ولأن حمل السلاح عند الحكومة ممنوع، وهو لا يريد أن يقوم بعمل يُغضب الحكومة، فقد قرر الحصول على رخصة "اقتناء سلاح صيد".

وبما أن عقل أبي تركي منظم، ويحب أن يمشي في حل أموره على مبدأ الـ خطوة خطوة، وبما أنه لم يخرج إلى الصيد طيلة حياته، فقد اضطر لأن يذهب إلى صديقه الصياد "أبو ريمون"، ويطلب منه أن يمر به أثناء عودته من صيد الحجل، ليشرب بصحبته كأساً من الشاي عند باب الديار.

ولأجل أن يقدم له شيئاً من الإغراء قال له: أختك أم تركي هي خير من غلى كأس شاي في هذه البلدة المعطاء. ضحك أبو ريمون وسأله: من أين متعلم كلمة (المعطاء) يا أبو تركي؟ هيئتك صاير بعثي؟

قال أبو تركي: أنا ما عم أمزح يا أبو ريمون. أختك أم تركي تضع السكر والشاي في قلب الإبريق حينما يكون الماء بارداً، ثم تغلي الشاي على الحطب، وتتركه حتى يختمر، وهكذا يكون الشاي، كما يقولون: إكرك عجم.


لم يكتفِ أبو تركي بالحصول على موافقة أبي ريمون على المرور به أثناء عودته من الصيد، بل شرع يراقب الطريق وقت الغروب، فلما رأى أبا ريمون قادماً وهو يحمل الحجلات اللواتي اصطادهن في رحلته لاقاه بالترحاب والتزلف وهو يقول:

- أهلين وسهلين بأخي أبو ريمون. تفضل تفضل. من بعدك لا حدا يطلع على صيد الحجل. معلم المعلمين أنت.

ونادى على أم تركي أن جهزي الشاي الـ "أكرك عجم"، وقال لابنه تركي أن أحضر الكاميرا وتعال بسرعة.. وحينما جاء تركي ومعه الكاميرا حمل أبو تركي البارودة ذات الفتحتين (الجفت) وتمنطق بصف الفشك، وأخذ الحجلات من أبي ريمون وحملهن على كتفه اليمنى، وقال لتركي: صورني.

في صباح اليوم التالي انتهى تركي من طبع الصورة وتحميضها، فحملها أبو تركي وذهب من توه إلى الأمن السياسي.. عرضها عليهم، وقال لهم إنه من يوم يومه صياد، وعنده هذا الجفت، ولكنه كان يصطاد بشكل مخالف (تهريب)، والآن يريد أن يرجع إلى جادة الصواب، ويأخذ تصريحاً باقتناء السلاح من الحكومة.

لم يوافق عناصر الأمن السياسي على منحه الرخصة، فعاد إلى البيت حزيناً مكسوراً يتشاجر مع كل مَن تسول له نفسه أن يكلمه.. ولكن ابنه تركي أخرجه من المأزق، إذ اقترح عليه أن يذهب إلى "أبو ريمون" ويسأله عن الكيفية التي حصل بموجبها على "رخصة اقتناء سلاح الصيد"، فذهب من توه إلى أبي ريمون، الذي رحب به وقال له:
- تعال اشرب من شايات أختك أم ريمون الـ "أكرك عجم"، واسمع الحكاية من طقطق للسلام عليكم.

أثناء شرب الشاي؛ أوضح أبو ريمون لأبي تركي أن الحصول على الرخصة بالطريقة القانونية غير ممكن، وأما إذا دفعتَ لهم رشوة فإن معاملتك ستمشي حتى ولو كانت كلها مخالفة للقانون.. وهناك مسألة أخرى أنت لا تعرفها يا أبو تركي.
قال: ما هي؟
قال أبو ريمون: ترخيص السلاح ليس في مصلحتك!

دهش أبو تركي وقال: غريبة. ليش؟
قال أبو ريمون: الشرطة في بلدنا إذا وقعت مشكلة، أو جريمة، باستخدام بارودة مثل هذه، يعتقلون كل الذين يمتلكون بواريد مرخصة!
ضحك أبو تركي وقال: يا لطيف. يعني إذا بارودتك مهربة ما في حدا بيعرف أن لديك بارودة. يعني الإنسان النظامي يقع في قبضة العدالة والمخالف ينجو؟!
قال أبو ريمون: بالضبط.
صفر أبو تركي بفمه صفرة طويلة وقال: يا ساتر!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...