سورية المستقبلية: العدالة والمساواة مفتاح استقرار

05 يناير 2025
+ الخط -

تاريخياً، كانت سورية مهد الحضارات والتنوع الثقافي، حيث اجتمعت فيها شعوب وأديان وثقافات متعددة. ومع كل هذا التنوع، فإن الأساس الذي يضمن استقرار أي مجتمع وتحقيق نهضته هو العدالة. فالعدل ليس مجرد قيمة أخلاقية، بل هو ضرورة لاستدامة الدول وتعزيز تماسكها الداخلي. في سورية اليوم، التي تشهد مخاضاً صعباً للانتقال إلى مستقبل أكثر إشراقاً بعد سقوط نظام الأسد، تصبح العدالة ركيزة لا غنى عنها لبناء دولة جامعة تحترم حقوق جميع مواطنيها وتحتضن تنوعهم. 

إن الحديث عن العدالة في سورية ليس ترفاً فكرياً، بل هو مطلب عملي يتطلب جهوداً جماعية لبناء نظام يحترم حقوق الإنسان ويصون الحريات الأساسية. وكما يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو: "العدل هو أساس قيام المجتمعات، وبدونه تصبح القوانين مجرد أدوات لقمع الشعوب بدلاً من حمايتها".

 العدل أساس بناء الدول وضمان استقرارها 

إن حماية الحقوق والحريات الأساسية لجميع المواطنين دون تمييز على أساس الدين، أو العرق، أو الجنس، أو المعتقدات السياسية تمثل حجر الزاوية لأي مجتمع عادل ومستقر. فالعدل هو الأساس الذي تقوم عليه الدول، والمطلب الذي سعت المجتمعات لتحقيقه عبر التاريخ، بغض النظر عن المعتقدات السائدة فيها.

العدل ليس مقيداً بدين أو معتقد، وإنما يتحقق بوجود إرادة سياسية تدعمه. وكما قال أحد الأئمة: "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة".

دستور عادل يضمن الحقوق للجميع 

ليس من المهم في سورية المستقبل أن يكون الرئيس ينتمي لدين أو طائفة بعينها، أو يحمل توجهات سياسية محددة. الأهم هو أن تكون الدولة قائمة على دستور عادل يضمن الحقوق والحريات، بحيث يتساوى الجميع أمام القانون. وكما قال نيلسون مانديلا: "لا يمكن تحقيق العدالة إذا كان القانون يُستخدم كسلاح لتفضيل فئة على حساب أخرى". 

دولة العدالة لا تنحاز لجماعة أو عقيدة، بل تقف على مسافة واحدة من الجميع. القانون العادل هو الحامي الأبرز للأقليات والأغلبية، فهو الملجأ الذي يلجأ إليه كل فرد لضمان حقوقه. 

 التنوع السوري مصدر قوة 

تميزت سورية عبر التاريخ بتنوعها الثقافي والسياسي، حيث نشأت فيها حركات اشتراكية وليبرالية وإسلامية وقومية، انعكست على الحراك الفكري والسياسي. كما قال السياسي السوري فارس الخوري (الذي وصفه الباحث صقر أبو فخر بأنه شخصية نادرة وفريدة في تاريخ المشرق العربي وسورية) : "التنوع ليس عبئاً، بل مصدر إلهام وإبداع إذا ما تمت إدارته بعدالة واحترام". 

الفترة التي أعقبت الاستقلال، رغم علاتها، أظهرت كيف يمكن لهذا التنوع أن يكون مصدر قوة حينما يُتاح له المجال للتفاعل بحرية. هذه التجربة التاريخية تشكل إلهاماً لإعادة بناء دولة مدنية تقوم على أسس العدالة والمساواة، وتكون جامعة لكل مكوناتها. 

مبادئ لا غنى عنها لدولة مدنية عادلة 

الدولة المدنية لا بد أن تضمن حرية التعبير والمعتقد، وتكفل حق الجميع في ممارسة شعائرهم الدينية دون قيود أو إجبار. كما يجب احترام الحريات العامة، لا سيما حرية الرأي أو الملبس أو الممارسات الشخصية.

حماية الخصوصية، وضمان استقلالية القضاء، وضمان حق المحاكمة العادلة، وحرية الصحافة والتجمع السلمي، كلها مبادئ أساسية لدولة تحترم حقوق مواطنيها. 

التحديات والمسؤوليات 

رغم التحديات الهائلة التي تواجهها سورية في مرحلة انتقالها نحو دولة العدالة والقانون، يبقى الالتزام بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان ضماناً لتحقيق الاستقرار وبناء الثقة بين الشعب والسلطة. ويقول المفكر السوري ميشيل كيلو في هذا الصدد: "الديمقراطية تبدأ بالعدالة وتنتهي بالمساواة، وما بينهما هو الطريق الذي يعبره الشعب نحو حريته".

المسؤولية الآن تقع على عاتق السلطة الحالية لتبني سياسات واضحة وشفافة تعكس تطلعات الشعب، وتؤسس لمرحلة جديدة من العدالة والمساواة. والطريق إلى دولة ديمقراطية لا يتوقف عند القضاء على استبداد النظام السابق، بل يمتد نحو بناء دولة تقوم على احترام الحقوق، وتداول السلطة سلمياً، وضمان مشاركة الجميع في صنع المستقبل.

كاتب وصحافي لبناني
وسيم فؤاد الأدهمي
كاتب وصحافي لبناني. كتب في عدد من الصحف اللبنانية والعربية، وشغل عدة مناصب فيها.