الصراع على سورية مجدّداً

05 ديسمبر 2024
+ الخط -

ما يحدثُ في سورية اليوم يعكس صورةً أخرى للصراعات الإقليمية والدولية التي أصبحت أكثر تعقيداً من أيّ وقتٍ مضى. فقد كانت البلاد دائماً ساحة لتقاطع المصالح الكبرى بين القوى الإقليمية والدولية، والتي كثيراً ما دخلت في نزاعٍ مرير على الأرض والمصير. ومنذ اندلاع الأزمة السورية، بدا أنّ جميع الأطراف، سواء كانت إسرائيل أو إيران أو تركيا أو روسيا، لديها مصالح استراتيجية تتشابك بشكلٍ معقّد داخل الحدود السورية. فكلّ طرفٍ يسعى لتحقيق أهدافه في المنطقة، ممّا يزيد من تعقيد المشهد أكثر فأكثر.

إسرائيل، على سبيل المثال، لا تفوّت أيّ فرصةٍ لتوسيع نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة. فهي تسعى لضمان أمن "حدودها" من خلال تحريك الأوضاع في سورية بما يتماشى مع مصالحها. وهذا التلاعب بالصراعات في سورية يشكّل جزءاً من استراتيجية أكبر لضمان التفوّق الإقليمي المُستدام، وبالتالي، فإنّ استئناف الحرب الأهلية السورية يمكن أن يكون في صالحها لتحقيق أهدافها.

من جهةٍ أخرى، فإنّ إيران التي كانت لها يد في دعم النظام السوري، تجد نفسها في مأزقٍ شديد بسبب تزايد الضغوط الداخلية والخارجية. فقد خسرت عدداً من قادتها العسكريين في سورية، وفقدت الكثير من مزاياها اللوجستية والسياسية في المنطقة. كما أصبح المسؤولون الإيرانيون يدركون أنّ إسرائيل لا تشكّل تهديداً خارجياً فحسب، بل أيضاً تهديداً داخلياً قد يؤثّر بأمنهم الوطني.

أما تركيا، التي تعتبر سورية ساحة مهمة لأمنها القومي، فلا تقتصر مصالحها على الحفاظ على استقرار حدودها فقط، بل تسعى أيضاً إلى تقوية نفوذها في الشرق الأوسط. وهي تتعامل بحذر شديد مع القضيّة السورية، فهي تدرك أنّ التدخل العسكري المستمر قد يقود إلى نزاعٍ طويل الأمد يرهقها داخلياً، وأيضاً اقتصادياً.

تهدف إسرائيل إلى التأثير في موازين القوى بالمنطقة بحيث تظلّ هي القوة العسكرية المتفوّقة

فيما يتعلق بروسيا، فهي تعتبر سورية بمثابة مركز استراتيجي للحفاظ على نفوذها في البحر الأبيض المتوسط، وهو أمر بالغ الأهمية، خاصّة في ظلِّ حربها المستمرّة مع أوكرانيا. لذلك، فإنّ أيّ اضطراب إضافي في سورية يمكن أن يشكّل عبئاً كبيراً على القوات الروسية في المنطقة. وتسعى روسيا، رغم دعمها النظام السوري، إلى ضمان استقرار المنطقة بما يخدم مصالحها العسكرية، دون أن تتورّط في صراعاتٍ مدمّرة قد تضرّ بمصالحها الأخرى.

إسرائيل في هذه المعادلة تدرك تماماً أهميّة تحريك الأمور في سورية لصالحها، فهي لا تسعى إلى مجرّد التصدي للأعداء القريبين من حدودها، بل إلى تحقيق استراتيجية تهدف إلى تقسيم القوى المعادية لها، وتوجيه ضربات استباقية ضدّ كلّ الأطراف التي تشكّل تهديداً لوجودها. ومن خلال تزايد تدخلاتها العسكرية، تحاول إسرائيل أن تزرع الفوضى بين أطراف مثل حزب الله والجماعات الأخرى، مستغلّة الصراعات الإقليمية لتحقيق مصالحها الخاصة. وتهدف إسرائيل إلى التأثير في موازين القوى في المنطقة بحيث تظلّ هي القوة العسكرية المتفوّقة، سواء على مستوى الصواريخ أو الطائرات الحربية وغيرهما.

إضافة إلى ذلك، تسعى إسرائيل إلى أن تكون هي المتحكّم الرئيس في الأمن الإقليمي، لذا هي تعمل على منع أيّ تحالفات قد تشكّل تهديداً لها، سواء كانت بين القوى السنية أو الشيعية في المنطقة. وذلك من خلال فرض تهديدات على الأمن السوري، ومنع إيران وحزب الله من تعزيز وجودهما في المنطقة، كما تسعى (إسرائيل) إلى تحقيق الاستقرار الأمني على حدودها الجنوبية والشمالية في وقتٍ واحد. 

إنّ صراع القوى الكبرى في المنطقة على سورية ومستقبلها، وتداخل مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في مشهدٍ معقّد، يفرضان سيطرة هذه القوى على مجريات الأحداث، ما يعزّز الانقسامات ويحول دون استقرار البلاد.

ختاماً، ربما من المفيد التذكير بما قاله الصحافي البريطاني باتريك سيل، مؤلف كتاب "الصراع على سوريا" الصادر عام 1988: "لقد تحوّلت سوريا إلى ساحة للصراع بين القوى الكبرى، حيث لا يمكن لأي تطور أن يحدث بمعزل عن المصالح الاستراتيجية لهذه القوى، مما يجعل أي حديث عن السلام أو الاستقرار مجرد حلم بعيد المنال".

كاتب وصحافي لبناني
وسيم فؤاد الأدهمي
كاتب وصحافي لبناني. كتب في عدد من الصحف اللبنانية والعربية، وشغل عدة مناصب فيها.