سكان نيويورك ولفتتهم البارعة مع البائع المصري

28 نوفمبر 2023
+ الخط -

لطالما اشتهر سكان مدينة نيويورك بولائهم وحبّهم الشديدين لمدينتهم العريقة المعروفة بصخبها وأضوائها الساطعة، حيث أُلفت في مدحها عشرات الأغنيات، وحكى عن تاريخها والحياة المعاصرة فيها العديد من الأفلام السينمائية.

أغلب سكان نيويورك مهاجرون قادمون من شتى أنحاء العالم، لكنّهم تعايشوا منذ مئات السنين مع بعضهم البعض رغم اختلاف الثقافات والتقاليد التي جلبوها معهم من مَواطنهم الأصلية فهناك الحي الإيطالي في مانهاتن، والحي الصيني في نفس المنطقة، كما يوجد الحي العربي في شارع "Steinway"، والذي عندما يدخله الشخص يخيّل إليه أنّه في مدينة عربية وليس في قلب نيويورك لانتشار المطاعم والمحال الشرق أوسطية، والتي تزيّن لافتاتها باللغة العربية.

هزّت مجتمع نيويورك في الأيام الماضية حادثة الكراهية التي تعرّض لها بائع مصري في حي منهاتن، حيث كال له مواطن أميركي هو مسؤول سابق يدعى ستيورات سيلدوويتز، الشتائم والإهانات العنصرية، وقال له إنّ مقتل 4 آلاف طفل فلسطيني في غزة "ليس كافياً"، في إشارة منه إلى العدوان الإسرائيلي الأخيرة، ثم التقط صوراً للشاب العربي، واصفاً إياه بـ"الجاهل".

وسخر الأميركي (الذي اتضح لاحقاً أنّه كان يعمل مديراً لمجلس الأمن القومي في إدارة أوباما) من البائع لأنّه لا يتحدث الإنكليزية بطلاقة، واتهمه بالعمل في الولايات المتحدة الأميركية من دون تصريح أو تأشيرة، وبأنّه "إرهابي"، فضلاً عن قوله عبارات تحريضية ضد النبي محمد والقرآن.

الخطوة الأروع تمثلت في قيام عدد كبير من سكان نيويورك بزيارة عربة الطعام التي يعمل عليها محمد حسين ورفاقه في مانهاتن، للتعبير عن دعمهم وتضامنهم بتناول الطعام الشرق أوسطي

سرعان ما انتشر الفيديو وتداوله كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي بغضبٍ شديدٍ، ثم قامت شرطة نيويورك لاحقاً باعتقال سيلدوويتز حيث يواجه تهمتين بالتحرّش الجسيم، وثلاث تهم بالمطاردة، واحدة بموجب قانون جرائم الكراهية في المدينة، وثانية بنيّة إثارة الخوف، والثالثة لقيامه بذلك في مكان عمل الضحية، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

اتخذ مجلس مدينة نيويورك خطوة رائعة باعتذاره للبائع المصري محمد حسين عن الاعتداء اللفظي العنصري من الدبلوماسي السابق، بينما صرّح عمدة المدينة إريك آدامز، في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأنّ "الإسلاموفوبيا نوع من الكراهية"، مشدّداً على أنه "لا مكان لهذا الخطاب السافل وغير المحترم"، وفق تعبيره.

ومن جهتها، أصدرت شركة "جوثام" للعلاقات الحكومية التي يعمل بها الجاني بياناً قالت فيه إنّها "أنهت كلّ ارتباط مع ستيورات سيلدويتز، بسبب أفعال حقيرة وعنصرية تنافي المعايير الأخلاقية".

لكنّ الخطوة الأروع في تقديري تتمثل في قيام عدد كبير من سكان نيويورك بزيارة عربة الطعام التي يعمل عليها محمد حسين ورفاقه في مانهاتن للتعبير عن دعمهم وتضامنهم بتناول الطعام الشرق أوسطي.

إنّ ردّة فعل سكان نيويورك على حادثة الكراهية البغيضة، وتضامنهم مع محمد حسين وإسلام وبهاء يؤكدان أنهم بالفعل مجتمع مترابط ومتماسك كنسيج واحد يُعلي قيم الإنسانية والتعايش ضد الكراهية

أظهرت مواقع التواصل الاجتماعي عدداً كبيراً من "النيويوركرز" (الاسم الذي يحب سكان نيويورك مخاطبتهم به) يصطفون في طوابير أمام عربة الطعام، مما حدا بجيران محمد حسين في الشارع للتنازل عن مساحات إضافية وإحضار المزيد من الطاولات لزبائنه.

زيادة على ذلك، أطلق أصدقاء المعتدى عليه حملة تبرعات إلكترونية لجمع الأموال بهدف مساعدة بائعي الطعام الحلال في الشارع، فاستجاب "النيويوركرز" وتبرعوا بأكثر من 30 ألف دولار في ظرف ساعات معدودة، وعلّق أحدهم على اللفتة البارعة بمنشور على موقع التواصل الاجتماعي إكس جاء فيه "يجب أن تحب مدينة نيويورك".

إنّ ردّة فعل سكان نيويورك على حادثة الكراهية البغيضة، وتضامنهم مع محمد حسين وإسلام وبهاء يؤكدان أنهم بالفعل مجتمع مترابط ومتماسك كنسيج واحد يُعلي قيم الإنسانية والتعايش ضد الكراهية والاعتداء على أحد أعضائه رغم اختلاف ثقافاتهم وبلدانهم الأصلية التي قدموا منها إلى المدينة التي لا تنام ولا تهدأ أبدا.

موقف "النيويوركرز" يتزامن مع بوادر صعود جيل جديد في الولايات المتحدة متعاطف مع فلسطين والمسلمين عموماً، بعدما أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دوراً كبيراً في نقل الأحداث بتوازن، بعيداً عن ازدواجية المعايير التي تمارسها وسائل الإعلام الغربية.

نتذكر هنا المؤثرة المشهورة على "تيك توك"، ميغان رايس، التي أسلمت أخيراً بعد قراءتها النسخة المترجمة من القرآن، عندما اكتشفت أنّ أهل غزة يستمدون منه الصبر على العدوان الوحشي وفقدان أحبائهم ومنازلهم.

وهناك أيضاً الناشطة الأميركية ميغان وولي، التي تتطوّع على مواقع التواصل منذ اليوم الأول للعدوان، لتعريف العالم بأسماء الأطفال الشهداء في غزّة الذين تقل أعمارهم عن عشر سنوات.