خيارات الأردن لوقف "سيل المخدرات" من سورية
لا تنفك القيادة الأردنية عن توجيه اللوم والتقريع، بل والتهديد، لنظام الأسد بالتزامن مع كل عملية ضبط للمخدرات على حدودها الشمالية، والتي باتت تأخذ منحى خطيراً في الآونة الأخيرة نوعاً وكماً وأسلوباً.
تصاعد تهريب المخدرات من سورية إلى الأردن
منذ بداية شهر ديسمبر الحالي، شهدت الحدود الشمالية للمملكة تصاعداً في عمليات التهريب التي تطورت إلى اشتباكات مسلحة، قتل وأصيب على إثرها عدد من حرس الحدود الأردني، فضلاً عن أعداد أخرى من عصابات التهريب التي أخذت شكل المليشيات المسلحة المنظمة.
المسؤولون الأردنيون، سواء الدبلوماسيين أو العسكريين، باتوا لا يفوتون مناسبة إلا ويتحدثون عن هذه المعضلة التي تتهدد أمن الأردن ومستقبله؛ إذ لم تعد عمليات التهريب مقتصرة على المخدرات، وإنما توسعت لتشمل الأسلحة وأصنافاً مختلفة من المخدرات والحشيش، وغيرها من أدوات هدم المجتمعات.
يحتار الأردن الرسمي كيف يتعامل مع المخدرات المتدفقة عبر حدوده الشمالية، فمنذ سقوط محافظة درعا بيد قوات الأسد والحرس الثوري الإيراني صيف عام 2018، وكل حين وآخر نسمع عن خطوة أو مقترح أردني بهذا الخصوص، بدءاً من مبادرة "خطوة بخطوة" مع الأسد، والتي تقلصت آمال أرباب هذه المبادرة إلى طلب وحيد من الأسد هو وقف تجارة المخدرات مقابل حصول النظام السوري على الاعتراف والدعم العربي، وليس انتهاء بالكلام والطروحات الجدية بإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية بعمق 30 كلم.
ورغم إقرار الكونغرس الأميركي وتوقيع الرئيس جو بايدن قانون مكافحة مخدرات الأسد قبل عام من الآن، إلا أن شيئاً لم يتغير على أرض الواقع، بل تعددت أساليب النظام السوري وحلفائه في تهريب المخدرات، فلم يعد الأردن الطريق الوحيد، ولا يمر أسبوع أو أقل إلا ونسمع عن شحنات ضخمة تضبط هنا وهناك مصدرها الأراضي السورية، وقبل أيام عدة في 21 من شهر ديسمبر الحالي أعلنت السلطات الألمانية عن ضبط أكبر شحنة مخدرات بتاريخ البلد بقيمة 60 مليون يورو، واعتقال 4 سوريين متورطين، فيما تشير الأنباء إلى أن وجهة هذه الشحنة كانت دول الخليج العربي، وقبل هذا بشهرين أعلنت شرطة دبي عن ضبط أكبر شحنة مخدرات في التاريخ تجاوزت قيمتها المليار دولار قادمة من الأراضي السورية.
تعددت أساليب النظام السوري وحلفائه في تهريب المخدرات فلم يعد الأردن الطريق الوحيد، ولا يمر أسبوع أو أقل إلا ونسمع عن شحنات ضخمة تضبط
خيبة أمل الأردن من النظام السوري:
خيبة الأمل الأردنية من النظام السوري، وتعثر القنوات الدبلوماسية، وتصاعد اللهجة ضد نظام الأسد باتت ملحوظة ولم تعد تغلف بالكلام المنمق الذي اعتدنا عليه مسبقاً، وكأن الملك الأردني غسل يديه من حل يأتي عبر المفاوضات والسياسة، وهذا ما عبر عنه جلياً الملك عبد الله الثاني حين شكك بقدرة النظام السوري على بسط سيطرته على الأراضي السورية كاملة، وتبعه في ذلك الناطق العسكري باسم "الجيش العربي" مؤخراً الذي كشف عن طلب أردني للولايات المتحدة الأميركية بتزويد المملكة بمنظومة باتريوت لاعتراض الطيران المسير الذي ينقل المخدرات، مشيراً إلى أن بلاده تخوض حرباً حقيقية على حدودها الشمالية مع عصابات منظمة لا توفر وسيلة للتهريب إلا وتتبعها.
المنطقة العازلة الحل الأمثل
أمام هذا الواقع المعقد الذي يستهدف أمن المملكة ودول الخليج العربي، يبدو أن خيار المنطقة العازلة التي بات يتردد صداها مؤخراً بشكل كبير هي الحل الأمثل والوحيد المتبقي في جعبة الدول المستهدفة، إلا أن هذا الحل تشوبه صعوبات بالغة، فهو بحاجة إلى توافق دولي وتمويل وقدرات عسكرية، لكنه يبقى أقل تكلفة مما ينتظر الأردن ودول الخليج من الخطر المتنامي من هذه الآفة التي تدمر المجتمعات وتزعزع أمن دولها.