جوع وفقر.. وأشياء أخرى

14 يونيو 2023
+ الخط -

شَكَت له رغبة ابنها الوحيد بالسفر إلى إحدى الدول الأوروبية، هرباً من سوء الأحوال المعيشية التي يعانيها الأهالي في تلك المدينة الفراتية التي ولد وعاش فيها عديد من أصدقاء ورفاق دربه، والذين تحمّلوا على مضض الواقع المزري المرعب الذي يعانون منه لكثيرٍ من الأسباب، ومنها غياب الكهرباء لفترات طويلة، وارتفاع أسعار الرغيف، فضلاً عن فقدان كثير من المواد التموينية التي يحتاجونها، والتي لم يعد قسم كبير منها متوفراً في الأسواق. وحدها، ظلت المحال التجارية، والشوارع، وجدران المدينة المتهالكة قائمة، أضف إلى ذلك أبناءها الذين يعيشون واقعاً مأساوياً لم يسبق أن عايشوه، أو لمسوه من قبل، بل على العكس تماماً، كانت حياتهم قبل ذلك، بسيطة، ويعيشون في بحبوحة.

الفقر حوّل حياة كثير من الناس إلى مجرّد دمية يتلاعب بها التجّار، ويركلونها كيفما شاءوا، وحدهم المستفيدون من الأزمة التي يعاني منها الأهالي نتيجة ارتفاع أسعار المواد الضرورية التي يحتاجونها وبشكل يومي، أضف إلى ذلك أيضاً، التعامل بالدولار بدلاً من الليرة التي تراجعت قيمتها بشكلٍ لافت، وأغلب الأهالي صار يضرب أخماساً في أسداس للخروج من هذا القمقم المخيف.

هذا الواقع المحزن لم يَعُد أحد يتحمّله أو يغضّ النظر عنه، لذا بات الأهالي يحاولون، وعلى الرغم من سوء الحالة، الاستدانة من هذا وذاك، وبيع الغالي والنفيس، من أجل تأمين مبالغ مالية تمكنهم من إرسال أبنائهم إلى خارج تلك المدينة، تخوّفاً من سوقهم إلى خدمة العلم، وهذا يعني أنهم سيقضون على مستقبلهم (حال ذهبوا إليها)، لا سيما أنّ الموت سيكون مصيرهم لا محالة، وسيواجهون عدواً من بني جلدتهم، مترّصداً تحرّكاتهم. ولذا، فإن الهروب إلى خارج مدينتهم (في حال تحقّق)، هو الحل الوحيد للحفاظ على أبنائهم بعد أن فقد الكثيرون أبناءهم. والسبب الآخر والأهم يكمن في تخليصهم من واقع سيئ يعانون منه، لأنه حال وصولهم إلى تلك البلاد الأوروبية قد يتمكنون من مساعدة أهاليهم في سداد قسم كبير من احتياجاتهم، وهذا يتطلب منهم تحمّل معاناتهم والبعد عنهم.

هذا ما صار يعاني منه أغلب الأهالي في تلك المدينة التي صارت تُدارُ وتُحكمُ من قبل أناس غرباء، لا همَّ لهم سوى السيطرة على مقدّرات وثروات البلاد ونهبها، والسيطرة على محاصيلهم الزراعية، ودفع مبالغ لا تُذكر لقاء شرائها، والتي يعتمد عليها السكان، بالإضافة إلى اهتمامهم بتربية الماشية، وما تنتجه من ألبان وأجبان وغير ذلك. وهذا كله يتم تسويقه بمعرفتهم إلى جهات تَدفع لهم أكثر على حساب جهد الفلاحين والناس البسطاء، بالإضافة إلى انقضاضهم على حقول النفط التي تتميّز بها، واستجرار كميات كبيرة منه، ونقله بواسطة صهاريج عملاقة، وبيعها بأسعار باهظة على حساب المواطن الذي يعاني الفاقة والذل و..

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.