غزة.. أين أنتم يا عرب؟

19 نوفمبر 2023
+ الخط -

يقف العرب وبكل أسف، مكتوفي الأيدي أمام ما يحدث بأسى وبصمت مريب، حيال ما نشاهده من صور يلفّها الوجع والألم جرّاء ما يجري في غزّة؟ ناهيك عن القتل الممنهج الذي يعصرُ القلوب، ولم يخلص منه حتى الأطفال الخدّج وعددهم 39 طفلاً الذين تحتضنهم الحاضنات نتيجة قصف الاحتلال الإسرائيلي مولدات الأوكسجين. هؤلاء الأطفال الصغار الذين لا يعون ما يحدث لهم، وما زال يمارس بحقهم في كل لحظة.

العدوان الإسرائيلي الهمجي الغاشم يسدّ الآفاق، وهؤلاء الأطفال الذين يتلقون العلاج في المشافي لم يعد يعني أهاليهم العيش أو الحياة. كله سيّان وهذه الصورة باتت تشتمل على كبار السن، وحتى الشباب منهم الذين اعتادوا مناظر الدم والقتل والدفن الجماعي والدمار وأصوات الطائرات والمدافع وهدير الدبابات التي تمكن فدائيو غزّة الأبطال من إسقاطها وتدميرها، والوقت ما زال طويلاً والأمل قائماً وبصيصه بهزيمة المستعمر الذي لم يترك حجراً على حجر، ولم يتركُ أداة حربية إلّا واستعملها ضد المواطن الفلسطيني المتشبّث بأرضه.. وهو الذي يُواجه الموت بصدر عار.

القتل لم يعد يخيفهم، بل يدفع بهم نحو تحقيق النصر، وإن كان بعيد التحقيق في ظل المقارنة بما لديهم من قدرات كبيرة.

لا شك أنّ الفارق كبير جداً بين العرب وإسرائيل. إسرائيل التي تملك القوة والعتاد والمال، فضلاً عن دعم وتكاتف دول الغرب والولايات المتحدة الأميركية لها بكل شيء، ورغم ذلك فابن غزّة جبار لا يهادن ولا يستسلم ولا يهاب الموت.

القتل لم يعد يخيفهم، بل يدفع بهم نحو تحقيق النصر، وإن كان بعيد التحقيق في ظل المقارنة بما لديهم من قدرات كبيرة

آلاف من الشهداء الضحايا، وأضعاف من الجرحى والمفقودين والمشردين، والدمار الذي حل بمساكنهم ما زالوا يقفون وبتحدٍ أمام خسّتهم ونذالتهم وحقدهم وإرهابهم وقوتهم وتحديهم باقتلاع أهلنا من أرضهم، بل إنهم رغم الألم والمصاب مصرّون على التشبّث بتراب وطنهم وبالأرض الفلسطينية.

فالمواطن الفلسطيني يدافع عن أرضه المغتصبة. عن حقه المرتهن، عن تاريخه النضالي، وعن حقوقه المشروعة. إنه أنموذج للبطل المقدام. البطل المشاكس إنه بطل حقيقي ترفع له القبّعة وعن جدارة، وهذا وحده لا يكفي؛ لأنه مثال في التحدي والفخار، وفوق هذا وذاك لا يهاب الموت، وينادي بالشهادة، ديدنه وعنوانه. إنهم أبناء غزّة هاشم الأبية الذين علموا الإسرائيلي الغاصب دروساً في التضحية والشهادة وحب الأرض. الأرض الفلسطينية التي لا يمكن أن يتخلوا عنها مهما كانت التضحيات، ومهما تحملوا من ضيم وقهر فهم مصرّون على التشبث بتراب وطنهم.

هذا يعني محبّة المواطن الفلسطيني وعشقه لأرضه. حبه الذي لا يمكن أن يساوم عليه، ولأيام طفولته ولأهله ولتاريخه الطويل وحبات الزيتون، لجذورها ولأوراقها، ولتلك التربة التي أينعت وولدت أبطالاً. إنها غزّة التي تنادي أبناءها للذود عنها، وها هي تستنجد بأبنائها وأهلها العرب، ولكن لا أحد يستجيب ويندفع إلى إزالة الظلم عن كاهلهم. فضلوا الصمت عن الصراخ والنداء والمكوث بعيداً، وتحملوا الإهانة والتشرد والوجع والجوع والعطش ودمار منازلهم، كما أنهم تعرضوا للقتل والتشرد وللضياع، فأين هم العرب أمام ما يشاهدون من صورة يندى لها الجبين؟

كيف يمكن لنا أن نصور واقع ما يحدث في غزّة، ومشاهدتنا وبصورة مكثفة لحالة الدمار والأبنية التي تسوّى بالأرض وأمام مرأى العالم الذي يقرأ ويشاهد ويسمع وقائع الأحداث، وأعداد القتلى في ازدياد، ولا يمكن تخيلها، وإسرائيل بما تملكه من قوّة لم تعد ترحم من هم على الأرض الذين يقيمون في غزة التي فقدت الآلاف من أبنائها الذين أصابتهم طائرات العدو في الصميم ومساحتها لا تتجاوز الـ365 كم2.

مدينة بهذا الحجم لم تستطع إسرائيل بقوتها وجبروتها السيطرة عليها بالكامل، بالرغم مما لديها من قوّة عسكرية.. وأبناء غزّة لا يمكن أن يقتلعهم من أرضهم سوى الموت، وبفضل أبنائهم الأبطال كسروا شوكة العدو الغاصب، وعلموه دروسا في الصبر والتحدي والإرادة، وكما يقال في حال وجدت الإرادة وجد الطريق.

ويسعى بنيامين نتنياهو جاهداً لطردهم من جميع الأراضي المحتلة أو القضاء على من تيّسر له إفناؤهم وتهجيرهم. إنّ الحرب الدائرة اليوم بين إسرائيل وحماس لا نهاية لها، لأن السلم بين الإسرائيليين والفلسطينيين مرهون بأن يقبل الفلسطينيون فكرة ما زال القبول بها واستيعابها عصيين عليهم. وهي أن يقوم في تلك الأراضي بين ليلة وضحاها كيان إسرائيلي بموجب قرار صدر من الأمم المتحدة من غير استشارة الشعب الفلسطيني، وهذا ما لا يمكن القبول به والخضوع له مهما كانت التضحيات.

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.