جردة حساب سنوية

16 ديسمبر 2020
+ الخط -

أيام معدودات تفصلنا عن العام الجديد، وقد نتفق جميعاً على أننا نودع عاماً لم نشهد له مثيلاً على الأقل خلال عقود فائتة. فهذه الأزمة الصحية العالميّة الرّاهنة التي لا تزال فداحة تكلفتها الكلّيّة، سواء من حيث إيقاع خسائر في الأرواح أو قطع سبل العيش، غير معروفة ومبهمة وقد تمتد آثارها لسنوات أطول مما توقعناها. 

ولا بد من جردة حساب سنوية للقيام بها على المستوى الشخصي والعائلي والمجتمعي والمؤسساتي، لأنها، أي سنة 2020، كانت سنة قاسية، وقد تعلمنا منها الكثير حتى وإن لم نعترف في قرارة أنفسنا بذلك. ففي الأردن، نشفنا نحن ولم يمت وينشف الفيروس، وتجربة الحظر كانت جيدة في بداياتها من حيث اكتشاف العائلات لأهمية الترابط الأسري الذي أرغمها على المكوث معاً في المنزل ومن ثم انقلب إلى عنف شديد من جراء الضغوطات المعيشية التي خلفتها الأزمة اقتصاديا على بعض الأسر.

 شهدنا عاما غير مسبوق في زيادة أرقام وحجم العنف المنزلي. وقضينا ساعات طوالاً مع شاشات الكمبيوتر نحن وأبناؤنا الذين حرموا من أمور كثيرة فقدوها بالتعليم الإلكتروني. كما حضرنا عدة ندوات وحوارات حتى مللنا من تكرار محتواها، ويبدو أنها فقدت بريقها في نقل الفعاليات من الواقعي إلى الافتراضي. إلا أنها أعطتنا الفرصة لتقييم جميع هذه المشاركات وأصبحنا انتقائيين في حضورها.

ويبدو أن الفيروس الذي عرّى أمورا كثيرة كانت مجّملة تحت شعارات المساواة والعدالة الاجتماعية،  قد كشف الطريقة العنصرية والكره للأجانب الذي تعاملت به بعض الدول مع اللاجئين أو العمالة الوافدة أو ذوي البشرة السمراء. وبعد أن شاهدنا كيف أن هذا الفيروس كان يخفي صورة قبيحة لدول كانت تتغنى بالحريات وبالمساواة والكرامة، وهذا يدل على أن الاضطهاد والعنصرية لا يزالان متأصلين في أعماق النفوس.

وبالرغم من قساوة هذا العام، إلا أننا استطعنا التفكر بعمق في قيم مجتمعية غابت عنا في زحمة اللهاث السريع لمتطلبات الحياة، وعلمنا أن تغليب الخير العام هو أمر أساسي لا بد منه، وأن التكافل الاجتماعي هي سمة من سمات المجتمعات، لأن الجائحة ذكرتنا بأهمية المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق جميع أفراد المجتمع. فالقادة الدينيون الذين لهم دور مهم في ترسيخ مفهوم العطاء والتكافل الاجتماعي لشرائح كبيرة تضررت اقتصاديا ونفسيا من هذا الوضع الذي فرضه (كورونا) على البلدان، فضلاً عن المخاطر الصحية.

 الحاجة للخطاب الديني المرتكز على العلم والدين وعدم إهمال الجانب العلمي. فينبغي للدّين أن يكون منسجماً انسجاماً تاماً مع العلم، وأنَّه واحد من أهمّ عوامل السّلام والتّقدم المقدّر للمجتمع الإنسانيّ، فالخرافات ونظريات المؤامرة المصاحبة للقاح كثيرة

 

والحاجة ملحة لوسائل إعلامية بمحتوى مدروس في كيفية بث الأمل والطمأنينة في المجتمعات، بدلاً من تخويف العامة. وبهذه الجردة السنوية قد نحتاج قبل ولوج العام المقبل إلى التفكر في أسئلة جوهرية ووجودية مثل إعادة تفحص هويتنا والهدف من الحياة، وترتيب أولوياتنا، وفي التفكر بالجوانب القيمية التي نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى كالتعاضد المجتمعي، وقيم الرحمة والتكافل والعطاء. بالإضافة إلى الحاجة للخطاب الديني المرتكز على العلم والدين وعدم إهمال الجانب العلمي. فينبغي للدّين أن يكون منسجماً انسجاماً تاماً مع العلم، وأنَّه واحد من أهمّ عوامل السّلام والتّقدم المقدّر للمجتمع الإنسانيّ، فالخرافات ونظريات المؤامرة المصاحبة للقاح كثيرة.

إن مبدأ وحدة العالم الإنساني يضرب وتراً حساساً في أعماق الروح. وأثبتت الجائحة أنه ليس مجرد شعار، ولكنه يعكس حقيقة أبدية، بل وأخلاقية. هذه الحقيقة أصبحت أكثر وضوحاً الآن، لأن شعوب العالم أدركت أن اعتماد عنصر كل منها على الآخر ضرورة حتمية لبلوغها وإدراكها لتحقق وحدتها الحتمية، وهذا ما اختبرناه أيضاً في حاجتنا الماسة للتعاون في القضاء على المرض وأخذ اللقاح. مثل هذه المفاهيم تمثل خطوات فعالة نحو عالم يحاول تحقيق العدالة الاجتماعية، ولكنها وحدها لا تكفي إذا لم تقترن بحسن النوايا.

68A247F7-2E17-41D0-936C-12D2B63A726B
تهاني روحي

صحافية وكاتبة ومحاضرة في حقوق الإنسان والتغيير الاجتماعي والإعلام والمسؤولية الاجتماعية وحوارات الأديان. وطيلة 25 عاما من خبرتها، تناولت القضايا الاجتماعية المتعلقة بحقوق الأقليات واللاجئين وقضايا النوع الاجتماعي. وهي منخرطة أيضا في رفع مستوى الوعي في الحوار مع الآخر المختلف، والعمل الاجتماعي.