ثورة الأوكسجين... المجتمع المدني يكشف عورة السلطة
نعيش في الجزائر أزمة صحية حرجة منذ أسابيع جراء الارتفاع الكبير في عدد الإصابات بفيروس كورونا. وحسب ما يشاع، فإن الفيروس "متحور دلتا" قد انتشر بشكل كبير في أغلب ولايات الوطن، في موجة أخرى تبدو الأصعب منذ بداية الجائحة، حيث وصلت أعداد المصابين إلى حد اليوم ولأول مرة منذ بداية الوباء في البلد إلى أكثر من 1900 إصابة، وبلغت الوفيات أكثر من أربعين فقيدا في اليوم، حسب آخر الإحصائيات الرسمية التي تبدو إلى غاية الآن غير منطقية تماما ومنافية للواقع، ولما يردده مختصون وأطباء ينشطون في الميدان، بأن العدد أكثر بأضعاف في الواقع، وأنه مرشح للارتفاع بشكل سريع في الفترة المقبلة.
يبدو الوضع مقلقا جدا، وما زاد الهلع بين أوساط المواطنين كان النقص الفادح لقارورات الأوكسجين وأجهزة تكثيفه التي تساعد الحالات الحرجة على التنفس الاصطناعي والتشبث بالحياة، في الوقت الذي ترتفع فيه نسب الوفيات بشكل كبير، خاصة بعد ما حدث في "سطيف" و"تيزي وزو" و"مغنية" ، حيث سجلت هذه المناطق عددا كبيرا من الوفيات في يوم واحد جراء توقف أجهزة الأوكسجين ونفاده، واستمر الحال على ما هو عليه في الكثير من المستشفيات عبر الولايات التي تشهد المعدلات العليا للإصابات، ما دفع الكثير من المؤثرين على مواقع التواصل والفنانين والرياضيين إلى التجند لمساعدة أصحاب المبادرات الفردية والجماعية من مواطنين وأطباء ونشطاء ومؤسسات وجمعيات تنتمي إلى المجتمع المدني.
من جهة أخرى، توالت حملات التبرع خارج الوطن، حيث تكفلت شريحة كبيرة من الجالية الجزائرية ممثلة في الطلبة والإطارات المقيمين في أوروبا وكندا وأستراليا وأماكن أخرى عبر العالم، بالعديد من حملات التبرع لإيصال أجهزة التنفس وتكثيف الأوكسجين إلى أرض الجزائر في أسرع وقت ممكن، وتمكنت إحدى المبادرات من بلوغ حوالي نصف المليون يورو، وهو مبلغ مرشح للارتفاع، ولم لا للوصول إلى الضعف خلال الأيام المتبقية لحملة التبرع التي ما تزال جارية إلى حد الساعة.
حان الوقت لنضع كل الخلافات جانباً لمواجهة هذا الوباء، لأن أرواح المواطنين كلهم بلا استثناء وبكل توجهاتهم، صارت تواجه خطر الموت في كل لحظة أمام فيروس لا يرحم
أمام كل هذه المبادرات وهبات التضامن التي فاقت التوقع، والتي سببت الكثير من الإحراج للسلطة التي بدت عاجزة عن احتواء الوضع إلى حد الآن، حيث بقيت جامدة بمؤسساتها المتمثلة في وزارة الصحة ووزارة التضامن، إضافة إلى الهلال الأحمر الجزائري، فلم يتم التحضير ولا التجند بالشكل الكافي والمنتظر لمواجهة هذه الموجة الجديدة، رغم أن بوادرها كانت واضحة منذ أشهر مضت، ولم تكن هنالك إجراءات واضحة واستباقية لمواجهة عودة الوباء، رغم ما عانته وتعانيه الدولتان الجارتان تونس والمغرب ودول كثيرة عبر العالم كمثال حي كان على الدولة الجزائرية أن تتعظ به.
لهذا، وقعت المستشفيات في أغلبها جراء هذا الاستسهال في عجز تام عن استيعاب الأعداد الهائلة التي تبقى في تزايد كل يوم، وأصبح الأشخاص المسنون وأصحاب الأمراض المزمنة وحتى الشباب من أوائل الضحايا الذين نفقدهم كل يوم.
من هذا المنطلق، بقيت الأسئلة المطروحة معلقة دونما إجابات حول هذا العجز، وبقيت الإجراءات الأخيرة المتخذة شاهدة على التخبط والعجز الذي تواجهه الحكومة الحالية، التي لم نلمس فيها المرونة في اتخاذ القرارات الصارمة في الوقت المناسب، إضافة إلى تدابير بدت غير مجدية في الوقت الضائع.
وجب على السلطة الآن إذن أن تسهل مسار مبادرات أفراد المجتمع المدني الذين أثبتوا دورهم الفاعل في تحريك عجلة المجتمع وإيقاظ هبات التضامن عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت تسهل هذا النوع من الحملات، (مجتمع مدني) بعديد أطيافه، عانى في السنوات الماضية من التقزيم والإبعاد عن الحراك الاجتماعي والسياسي، وخضعت نخبه كثيرا لسيطرة السلطة على قراراتها وتحركاتها وأفكارها الموؤودة.
آن الأوان (ربما)، لتتنازل السلطة الحالية وتنزل من عليائها لتعترف (بفشلها) في تسيير الأزمة، ثم تمنح الفرصة لثورة التضامن التي قد تعصف بهيبتها إن هي وقفت في وجهها. آن أن يستيقظ هذا النظام الذي لم يؤمن بقدرات شعبه، نظام يعيش في زمن غابر تجاوزه المواطن كثيرا، آن له أن يلحق بالركب ليمنح بعض التوازن للوضع الكارثي الذي نعيشه، وللهوة التي تزداد عمقا بينه وبين الفرد الجزائري الذي يبتغي أملا وعيشا كريما ووضعا صحيا مطمئنا في قلب هذا الخوف.
من جهة أخرى، وجب أن يتخلى الجميع في هذه الفترة الحرجة عن الذاتية والأنانية والتعالي، وعن الحسابات الضيقة.
وجب توظيف كل المنابر وكل الأحاديث والخطابات لنشر الوعي والإرشاد والطاقات الإيجابية، والتحسيس بجدوى الوقاية والتباعد والتلقيح. أن تقف الدولة والمواطن معارضا كان أو مؤيدا في صف الإنسان البسيط الذي صار حبيس الخوف والهلع وأخبار الموت لطمأنته والتخفيف عنه.
حان الوقت لنضع كل الخلافات جانبا لمواجهة هذا الوباء، لأن أرواح المواطنين كلهم بلا استثناء وبكل توجهاتهم، صارت تواجه خطر الموت في كل لحظة أمام فيروس لا يرحم، ولا نعلم أبدا متى ستكون نهايته!
فهل من نهاية وشيكة لهذا الإخفاق والفشل في احتواء أوضاعنا؟