ترامب فى الميزان العربي
أثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية، انطلقت أبواق إعلامية عربية موجَهة لدعم دونالد ترامب ضد جو بايدن، وكأن لهم من الأمر شيئا. وقد خلّفت تلك الأبواق فريقا من الناس يردد ما تقوله، ويهذي بما لا يَعِيه، كأنه فقد الذاكرة القريبة أو كأن به مسا من شيطان أو جان. أو قُل "فريق عربي مسحور" خُيّل إليه أن صوته مؤثر. وراحوا جميعا يبشرون بفوز ترامب تارة، وبالترويج لأكذوبة تزوير الانتخابات تارة أخرى، وكأنهم يملكون أدلة عجز ترامب نفسه وأنصاره عن تقديمها للمحاكم التي رفضت بدورها كل دعاواه بهذا الصدد.
ومن المثير للدهشة انسياق هذا الفريق العربى المسحور لخطاب إعلامي تُعْرف مصادره بتدني درجة مصداقيتها، إن وُجِدت. كما غابت دلائل بذل هذا الفريق أي جهد يذكر في البحث أو التحليل لبناء موقفه على أساس قوي، أو حتى الإجابة عن سؤالين هما ماذا حقق ترامب للعرب من مكاسب تستدعي تأييده؟ ولماذا الخوف من بايدن و خشية فوزه؟
والتزاما بالموضوعية، فلا يمكن -من دون استقصاء منظم- التكهن بأسباب خوف هذا الفريق من فوز بايدن، ولكن يمكن بالتأكيد رصد ما سببه ترامب من خسائر للعرب جميعا إن كانوا لا يعلمون. تلك الخسائر التي تفرض على كل عربي مخلص لقيم الحق و الخير والجمال، ثم لعروبته ولدينه أيا كان ألا يدعم ترامب، بل أن يصوت ضده إن كان له صوت انتخابي.
ولأن ذاكرة العوام ثلاثة أيام، ولأن التكرار يُعلم "الشُطّار"، ولأن الذكرى تنفع العاقلين فهذا تذكير للفريق العربي المسحور بأبرز أفعال ترامب التي تثبت عنصريته ضد العرب والمسلمين.
اعلموا أنه قد جعل منكم أضحوكة العالم، بل والأميركيين أنفسهم، فكفوا عن هذيانكم، ومن كان بيته من زجاج فلا يقذف الناس بالحجارة
فعلى المستوى الإسلامى، أصدر ترامب -بعد أسبوع واحد من توليه الرئاسة- أمرا يحظر السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية على مواطني سبع دول إسلامية، هي: إيران وسورية والعراق وليبيا والصومال والسودان واليمن، وكلها دول عربية باستثناء الأولى. كما أصر على إلصاق صفتي التطرف والإرهاب بالإسلام، مثال ذلك خطابه أمام قادة 55 دولة إسلامية في السعودية عام 2017.. فضلا عن قيامه بإعادة نشر مقاطع فيديو معادية للإسلام كانت قد نشرتها البريطانية "جايدا فرنسين" المدانة بجريمة كراهية على إثر إساءتها لسيدة مسلمة.
وعلى المستوى القومي العربي، فقد أعلن ترامب مدينة القدس العربية عاصمة لإسرائيل. كما أعلن السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية العربية المحتلة. وكذا دفع عددا من الدول العربية للتطبيع مع دولة إسرائيل مع تجاهل تام للحقوق الفلسطينية، وأمثلة ذلك الإمارات، والبحرين، والسودان، والمغرب. وكذا عزمه على تنفيذ صفقة القرن التي كادت لتُضيع إلى الأبد فلسطين وحقوق أهلها في دولة مستقلة.
كما أساء للمملكة العربية السعودية رغم مكانتها الروحية لدى العرب والمسلمين، وذلك حين وصفها بـ"البقرة الحلوب التي يجب حَلْبها حتى إذا ما جف ضرعها تَعيّن ذبحها" على حد قوله. بالإضافة إلى دفعها لاتخاذ خطوات تطبيعية مع إسرائيل. و قد استنزف ترامب من دول الخليج بالفعل مليارات الدولارات في صور متعددة.
ولم تسلم مصر من إهانات ترامب، حين وصف المساعدات الأميركية لها بالعار، متناسيا أنها من بنود اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة برعاية أميركية عام 1979 و المعروفة بـ"كامب ديفيد". و أن تلك المعونة في إطار تبادل المصالح.
أما على مستوى حكام العرب، فقد كرّر ترامب استخفافه بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز. كما أعلن تهديده له على الملأ حين قال إنه أخبر الملك أن عليه أن يدفع مقابل الحماية الأميركية، و أنه بدونها فلن يستطيع الاحتفاظ بطائراته لأكثر من أسبوعين.
وكذلك فعل مع دول خليجية أخرى فابتز منها المليارات بدعوى الحماية تارة، والاستثمار تارة، وبيع الأسلحة تارة ثالثة. وبهذا أجبر الحكام العرب على دفع الجزية عن يد وهم صاغرون، وقد فعلوا حفاظا فقط على عروشهم ومصالحهم الشخصية.
كما امتدت إهانة ترامب لرأس السلطة فى مصر حين وصفه بـ"ديكتاتوره المفضل" مرة، وبـ"القاتل اللعين" مرة أخرى. فضلا عن تفاخره فى بدايات رئاسته بمكالمة تليفونية مختصرة أسفرت عن الإفراج الفوري عن السجينة الأميركية من أصل مصري آية حجازي ومسجونين آخرين في نفس القضية. الأمر الذى بدا كإفراج بالأمر المباشر.
وأخيرا وعلى المستوى الشعبي، فقد دعم ترامب الحرب على اليمن، والانقلاب والحرب الأهلية في ليبيا، وقطع المعونات عن الفلسطينيين، وساند ديكتاتوريات عربية. الأمر الذى تسبب في قتل وتشريد الملايين من العرب وانتهاك حقوقهم وإفقار بلادهم.
أيها الفريق العربي المسحور، إن ما تقدم مجرد نماذج مما فعله ترامب بالعرب في أربع سنوات فقط، فضلا عما كاد أن يسببه من خسائر كارثية أخرى تهدد الوجود العربي. وهذه أسباب تؤكد سذاجتكم عندما أيدتم ترامب لفترة رئاسية ثانية. واعلموا أنه قد جعل منكم أضحوكة العالم بل والأميركيين أنفسهم، فكفوا عن هذيانكم، ومن كان بيته من زجاج فلا يقذف الناس بالحجارة.