بين عصا النبي موسى ويحيى السنوار
في كلِّ عصرٍ، تتجدّد فصول الصراع بين الحقّ والباطل، وتتشابه معارك الإيمان في وجه الشكّ والافتراء؛ كان المشهد الأوّل على أرض مصر، حيث وقف النبي موسى عليه السلام بوجه جبروت فرعون ومكر سحرته، بعصا ليست من خشبٍ فحسب، بل رمزٌ لسلطان الحقّ وقدرته على دحض الباطل؛ عصا ألقاها بأمرِ ربّه، فإذا بها تلقف حبال السحرة وأفاعيهم التي أبهرت الأبصار وأخافت القلوب، لكنّها سرعان ما تبخرت أمام نور الحقيقة الساطعة، معلنةً أنّ الحقّ، مهما بدت قوته ضئيلة، ينتصر ما دام موصولاً بالله، مستنداً إلى اليقين فيه.
واليوم، وفي مشهدٍ آخر وزمانٍ مختلف، نرى عصا أخرى تحمل الرمز ذاته، إنّها عصا يحيى السنوار، الذي وقف بصموده في وجه المرجفين، قبل أن يقف بجسده أمام المعتدين ليواجههم بشجاعة المؤمن. فألقى بعصاه، لا في الهواء، بل في ساحاتِ القلوب والعقول، لتبتلعَ أكاذيب المرجفين الذين زعموا أنّ قادة المقاومة في مأمنٍ بينما يزجون بشعبهم في النار؛ لكنه بإيمانٍ لا يتزعزع، ألقى عصاه لتسحق تلك الافتراءات، وتُثبت للعالم أنّ قادة المقاومة في طليعة الصفوف، يذودون عن كرامة شعبهم، ويحملون على أكتافهم راية العزّ والفداء .
في زمنٍ تكاثرت فيه الأباطيل وكثر فيه الجبن والتردّد، برز السنوار بعصاه، كما برز موسى عليه السلام، ليبطل سحر المرجفين؛ وكلّما حاولوا زرع اليأس في قلب الشعب الحاضن لمقاومته، جاءت عصا السنوار لتبطل سحرهم وتفشل مخطّطاتهم. وكما كانت عصا موسى إعلاناً لانتصار الحق على الظلم، كانت عصا السنوار سيفاً ماضياً قاطعاً لأوهام الخذلان والخيانة.
كما كانت عصا موسى إعلاناً لانتصار الحق على الظلم، كانت عصا السنوار سيفاً ماضياً قاطعاً لأوهام الخذلان والخيانة
إنّ لحظة إلقاء موسى لعصاه كانت فصلاً فارقاً في سجل الإيمان، وتذكيراً بأنّ النصر لا يأتي إلا لمن ثبّت أقدامه على طريقِ الحقّ، وهي اللحظة نفسها التي تتكرّر كلّما وقف قائدٌ شجاع يواجه الطغاة، ليقول بلسان حاله إنّه في كلِّ عصرٍ يُطلّ الباطل في هيئةٍ جديدة، يقف رجالٌ من طينة النبي موسى والسنوار ليقلبوا الموازين ويؤكّدوا أنّ للحقِّ رجالاً سينتصر بهم يوماً مهما طال أمد الباطل.
ربما يكمن الفرق بين عصا النبي موسى وعصا السنوار في الزمن والأشخاص، أمّا جوهر الحكاية فهو واحد: قصّة صراع لا ينتهي بين الحقِّ المفعم بالإيمان، والباطل الذي ينهار تحت قوّة الصمود؛ فموسى عليه السلام رفع عصاه لتلقف مكر السحرة، والسنوار رفع عصاه لتلتهم زيفهم وافتراءهم. وكما كان الله مع موسى في معركته، فهو لا يزال مع من يثبت على دربِ الحقّ، ليكون التاريخ شاهداً أنّ الحق لا يُهزم ما دام مع أصحابه إيمان راسخ لا يتزعزع .
عصا النبي موسى وعصا السنوار، تجسيدٌ لروحٍ واحدة، تسري عبر الزمن، تتشكّل في مواقف الرجال الثابتين على الحقّ؛ إنّها الحكاية التي تعيد نفسها في كلّ جيل، حيث يُولد من يحمل راية النضال، ويرفع عصا الحقِّ في وجه الطغيان، ليظلّ النصر حليف المؤمنين، مهما تكالبت عليهم قوى الظلم والباطل.