بياع الكوارع... خبير زلازل

27 فبراير 2023
+ الخط -

حدثني الأستاذ ناظم، وهو مدرس لغة عربية حلبي مقيم في مدينة "مرسين" التركية، عن "أبو أحمد بياع الكوارع"، الذي أصبحت لديه خبرة واسعة في مجال الزلازل، وبالأخص الهزات الارتدادية.. فبينما هو يحضر لك صحن فتة "الضريح التحتاني"، ويضع فوقها البقدونس المفروم، مع قليل من منقوع الثوم، ويرش فوقها مسحوق النعناع الأخضر، لا يتوقف عن شرح تاريخ الزلازل التي تعرضت لها البشرية منذ أقدم الأزمان..

ولأن صديقي ناظم من عشاق فتة "الضريح التحتاني"، التي يسميها أهل حمص "اللحمية"، فهو يتردد كثيراً على ذلك الدكان، وبهذا أتيح له سماع الكثير من القصص والحكايات من "أبو أحمد"، الذي كان يَرجع في الحديث، أحياناً، إلى تاريخ الأقوام البدائية، فيقول بلغته المليئة بالمصطلحات الغريبة:

- يكون الناس نائمين، وفجأة تبدأ الأرض تحوص، وتلوص، وتتلجلج، وعواميد الخيمة تطقطق، وتتراقص، وتفكح، فيزبط سقف الخيمة فوق الناس، وهم يرفعون السقف بأيديهم، ويخرجون إلى ساحة القبيلة، ويجتمعون حول أذكى واحد فيهم، ليعرفوا منه ما جرى..

ويبتسم أبو أحمد، ويقول:

- الرجل الذي يتجمعون حوله، ويسألونه عما جرى، ذكي، وفهيم، يعني شرواي (ويشير بإصبعه إلى صدره مع ابتسامة ثقة)، ولكن الغريب في الأمر أنهم كانوا يلقبونه "العارفة"، لماذا يحكون عنه بصيغة الأنثى (الإنتاية)؟ والله لا أعرف. المفروض بهم أن يقولوا العارف، لأنه (دَكَر).. أنا؛ عليّ الطلاق من أختك أم أحمد، إذا أحد ناداني بصيغة الإنتاية، لأمسك بزلاعيمه، وأسطحه على الأرض، وأدحّه على ظهره حتى يختفي أنينُه. المهم، بلا طول سيرة، يقول لهم "العارفة" إن الأرض التي نعيش عليها مسطحة، مثل هذه (ويشير أبو أحمد إلى الطاولة التي يَفرم فوقها الفتات والثوم والبقدونس)، وتحتها ثور، وهو ليس مثل الثيران التي تعرفونها، بل ثور كبير يحمل الأرض على قرنيه.. والثور من ذوي الأرواح، وكل ذي روح وجسد يتعب، لذا يبدّل استناد الأرض من القرن الأيمن إلى الأيسر، وأثناء التبديل تقع الخيام فوق رؤوسكم.

- ولكن، يا أستاذ ناظم، هذا الحكي عفا عليه الزمن، فبعدها، كما تعلم، اكتشف الأجانب أن الأرض كروية، مثل "الفوتبول" تبع كرة القدم، ولكن لا يستطيع أحد أن يشوطها، لأنها كبيرة وثقيلة جداً.. وجماعتنا، يعني نحن، نرفض هذا الحكي، لأننا نعرف أن الأرض أرض، والسماء سماء، ولكن نحن ضعفاء، كل شيء نستعمله يأتينا من عند أهل الغرب، ولذلك نسايرهم، والإنسان، يا أستاذ، إذا لم يساير يتبهدل، والمثل يقول: لا تكن صلباً فتُكْسَر، ولا تكن ليناً فتُعْصَر. وأولئك الأجانب، أنفسهم، شَكَوْتُهم لله، لا يتوقفون عن التوصل إلى اختراعات جديدة، فمنذ سنوات اخترعوا الكومبيوتر، والإنترنت، وبوقتها صارت أرواحنا في أيديهم، يعني، الآن، إذا أردنا أن نقول لهم إن أفكارهم كلها كاذبة، فكيف سنفعل ذلك؟ سنكتب لهم بالإيميل، أو على الماسنجر، أو التويتر.. وهذه كلها تشتغل على الإنترنت، يعني المفتاح، أو اللولب، يُفْتَح ويُغْلَق من عندهم. أأنت ترى هذا الجوال الذي يعمل على اللمس؟

يقول لهم "العارفة" إن الأرض التي نعيش عليها مسطحة وتحتها ثور، وهو ليس مثل الثيران التي تعرفونها، بل ثور كبير يحمل الأرض على قرنيه

الأستاذ ناظم: ما به؟

- الله وكيلك أنا أحل به مئة مشكلة في الدقيقة. ولكن إذا الغربيون أقفلوا اللولب، وأطفأوا الإنترنت، يصبح مثل هذه الوزنة. (وحمل بيده وزنة الـ 500 غرام للإيضاح).

- طيب أخي أبو أحمد، أنا فهمت منك أن عقلك تطور، وما عدت تصدق أن الأرض واقفة على قرن ثور، وواضح أنك مطّلع على أسرار التكنولوجيا، وتعرف كيف يتحول الموبايل إلى وزنة 500 غرام، فما تفسيرك للزلزال؟

ضحك أبو أحمد وقال: ببساطة، هو جزء من الحرب الموجهة ضدنا. لاحظ أنهم، في مطلع السنة الأولى من كل ثلاث سنوات، يقومون بعمل حقير يؤدي إلى إيذائنا، وإنقاص عددنا.

- ليش يا ترى؟

- هذه المسألة لها علاقة بموديل النسوان.

- لم أفهم.

- المرأة عندهم تريد أن تحافظ على نحافة جسمها، ورشاقته، ولذلك تراهم يقفون ضد الطبيعة، فبدلاً من أن تملأ الزوجة عندهم البيت بالأولاد، تراها تتدلل وتتغنج وتقول للزلمة، قبل الزواج: إذا بدك ولد واحد ماشي، إذا كنت تريد ولدين يفتح الله.

- الأجانب يقولون: يفتح الله؟

- لا، ولكنني أترجم لك ما يقولون، وأما نساؤنا فغانمات، لا يقصرن في الإنجاب أبداً، الواحدة تبظ ستة، أو سبعة، أو عشرة أولاد، ولا يهمها أن تسمن، ويذهب خصرها، لأنها، كما تعلم، في فترة الوحام، تأكل الأخضر واليابس، ووالدتي الله يرحم أمواتك ويرحمها كانت تقول (فدان ومزرعة لا يطعمان مرضعة)..

- أيوه. ما علاقة موضوع الإنجاب بقصة الزلازل؟

قال أبو أحمد وهو يناول طبقاً من فتة اللسان لأحد العمال، طالباً منه إيصاله إلى الطاولة رقم 5: أنا لم أحصر الموضوع بالزلازل، ولكن، تذكر أنهم، في مطلع سنة 2020، اخترعوا فيروس الكورونا، وأداروه علينا.

- ها هه. ولكن كورونا أصابتهم قبل أن تصيبنا. 

- عليك نور.. ولكنهم، قبل أن يخترعوها، كان قد جهزوا الأمصال واللقاحات، لكي يعالجوا بها أبناء بلدهم بالسر، وأما نحن فمات منا ما فتح ورزق.. وهكذا حتى أيقنوا أننا ما عدنا قادرين على استمرار العيش بلا لقاحات، فسمحوا، وقتئذ، بتصديرها إلينا، بأسعار مرتفعة، والآن، بعد ثلاث سنوات، عملوا الزلزال، واختاروا له منطقتنا.

هنا نط الأستاذ ناظم من مكانه، وقال:

- كل علمي أن الزلازل تحصل بسبب انهدامات جيولوجية، واختلال في تمركز طبقات الأرض.

أبو أحمد، من جهته، أيقن أنه حاصر الأستاذ ناظم في خانة اليك، فقال له:

- هنا، يا أستاذ، حطنا الجَمال، فالأرض ما عادت كما كانت أيام "العارفة" الذي يحكي عن قرن الثور. اليوم الأرض لها (User Name)، ولها كلمة سر (Password)، وأين يتم التلاعب بإعدادات الأرض، وتوجيه الزلزال إلى منطقة معينة من الأرض؟

- أين؟

- في مختبراتهم طبعاً.

- ام م. ولماذا، برأيك، يضربوننا نحن بالزلزال دون غيرنا؟

- آخ لو أعرف كيف حصلت على شهادتك الجامعية يا أستاذ ناظم. بجد لا تعرف السبب؟

- بجد لا أعرف السبب.

- السبب أننا أصبحنا أكثر منهم عدداً، بسبب كثرة الإنجاب، وضرورة الحفاظ على ستايل المرأة عندهم، لذلك قتلوا قسماً كبيراً منا بالزلزال يوم 6 شباط فبراير، والآن، ينتظرون الإحصائيات، فإذا لم يشبعوا من أرقام القتلى يعملون ارتدادية. أي لكان عمي لكان!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...