المحافظ الذي "زحل بنطلونه"

16 اغسطس 2019
+ الخط -
لم أكن أتخيل أن سيرة "المحافظ" سوف تستغرق عدداً لا بأس به من جلسات "الإمتاع والمؤانسة".. فالمحافظ، أيُّ محافظ يشتغل في ظل نظام مخابراتي كنظام حافظ الأسد يمثل الحلقة الأضعف في البلاد، لأن اليد الطولى هناك للأسرة الأسدية، وفروع المخابرات، وفرع الحزب، وأما هو فيمثل سلطة الدولة، يعني سلطة القوانين التي يمسح بها المتنفذون الأرض متى شاؤوا.

قال كمال: نحنْ هلقْ في سنة 2019، والمحافظ الأزلي اللي كنا عم نحكي عنه استمر بعد وفاة حافظ الأسد أربع أو خمس سنوات، وفي المحصلة أصحاب القرار ما حبوا يصرفوه و(يحلقوا لُه) بدون سبب، وشافوا إنه من الأفضلْ إحالتُه عَ التقاعد الصحي بعدما صار سمعه تقيل، وضعفْ بصرهُ، وصارْ يحطّْ توقيعُه خارج نطاق الورقة، وعلى الأغلب أصيب بمرض السكري، وبعدما كان سمين وصاحب كرش كبير صار نحيف ومهلهل وبنطرونه بيسحل أثناء الدوام.  

قال العم أبو محمد: أنا من محافظة إدلب وصدقوني كل شي حكيتوه عن هادا المحافظ ما سمعت فيه قبل هالمرة. بس هلق صار عندي سؤال: ليش أصحاب القرار عملوا هيك؟ قصدي ليش كانوا يغيروا المحافظين في كل المحافظات ما عدا إدلب؟ وليش احتفظوا فيه كل هالسنين؟

قال أبو زاهر: حافظ الأسد كان بيكره القسم الأكبر من السوريين بشكل عام، وكان يخاف منهم، ويشن عليهم حروب استباقية، وكان يكره شعب محافظة إدلب بشكل خاص، والأسباب كتيرة، منها أنهم عكروا صفوه لما أجا يزورْ إدلب بعد انقلاب 1970، وفي التمانينات أيقنْ أن في ناس كتيرين من محافظة إدلب بيكرهوه، ومحاولة الاغتيال الوحيدة اللي تعرض لها قام فيها شخص من كفرنبل التابعة لمحافظة إدلب.. وكانت تظهر هاي الكراهية في مجالات كتيرة، منها التقتيرْ على إدلب في الميزانية، وقلة الخدمات، وقلة الدعمْ، ولا شك أنه اختار واحد من الرجال ضعاف الشخصية وعينه محافظ على إدلب، وهوي واثق أن هالمحافظ ما بيهش ولا بيكش ولا بيعض ولا بيخرمش. 

قال كمال: أنا بأيّدْ كلام أبو زاهر، وبضيف عليه إنه كانت التقارير الواردة لحافييظ عن تَذَمُّر أهل إدلب من المحافظ تزيده رغبة بالتمسك فيه. يعني إبقاؤُه محافظ علينا كان نوعْ من النكاية والإغاظة. 

قال أبو محمد: لحظة شوي. أنا حابب أفهم الشي اللي كان يصير في هديكة الأيام. منشان هيك بدي منكم تتحملوني. هلق إنتوا عم تقولوا عن المحافظ إنه كان تعبان وتشتوش، وما في شخصية بالمرة. معناتها إنه ما بينفع ولا بيضر. 

قال كمال: ما بينفع لأنه صلاحيات المحافظين بشكل عام قليلة، وصلاحية محافظنا قليلة أكتر لأنه تشتوش واخرطي. أما إنه (ما بيضرّ) فأنا بختلف معك بالرأي.

قال أبو محمد: يعني بيضر. طيب شلون؟

قال كمال: في اجتماعات المحافظين مع رئاسة الوزراء ومع هيئة تخطيط الدولة، بيجري تقسيم الموازنات الاستثمارية والخدمية على المحافظات، وهاي الاجتماعات بيصير فيها أخدْ ورَدّ ومناقراتْ، وكل محافظ بيحاول ياخد ميزانية أكبر لمحافظته.. وإنته أكيد بتتخيل إنه محافظنا لا مبالي، ولا بيطالب بشي لمحافظتنا.. كمان في حالات عكسية.. في بعض الحالات بيصير توزيع أضرارْ على المحافظات، متل تقنين الكهربا.. فإذا كان قطع الكهرباء المقررْ تلاتْ ساعات يومياً على كل محافظة، كانوا يقطعوها عن إدلب ست ساعات أو سبع ساعات.

تدخل أبو الجود قائلاً: صح. وأنا سمعت إنه كان محافظنا ما يتدخل بتوزيع ساعات قطع الكهربا عن المحافظات بالمرة. بتعرفوا ليش؟

قال أبو جهاد: نحن ما منعرف، وأكيد إنته متلنا ما بتعرف.

قال أبو الجود: بلى أنا بعرف. لأنه كان عنده في البيت مولدة كهربا!

ضحك الحاضرون وعلق الأستاذ مجيد قائلاً: ويمكن ما كان يسأل على تقنين السكر والشاي لأنه كل شي متوفر عنده.

قال كمال: العم أبو محمد سأل إنه كيف المحافظ فاشل وكيف بقي كل هالأيام في منصبه. ونحن حكينا له عن الأسباب العامة.. بقي عندنا الأسباب الذاتية. 

قال أبو محمد: ما فهمت. شلون يعني ذاتية؟

قال كمال: يعني صحيح إنه أصحاب القرار كان بدهم يبقى هالرجل الشبيه بالبلاء صامدْ على صدورنا كالجدار، من باب النكاية، لاكن هو كمان كان إله دور في البقاء. حكى لي صديق كان مقرَّبْ منه، قال لي إنه كان قاعد عنده في المكتب في يوم من الأيام، ودخل آذن جاب فنجانين قهوة وراح. وبوقتها صديقي سأل المحافظ: كيف أنت بقيت في منصبك كل هالوقت؟ فرد عليه رد بيدل ع الذكاء الشديد. قال له: النظام تبعنا لما بيخطر على باله يشيلني من منصبي قادرْ يشيلني خلال دقيقة ويعيّنْ مكاني الآذن اللي قبل شوي جاب لنا القهوة. ولما بتكون أنت صاحب منصب وبتعرف إن النظام بيشيلك وبيحط مكانك الآذن، فأكيد بتطول في منصبك كتير!  

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...