العشيرة وفصائل المعارضة السورية
حاولت كل فصائل المعارضة السورية أن تستميل العشائر للدعاية الإعلامية، رغم علمها أن ثقل شيوخ العشائر إعلامي فقط، وكثيراً ما تظهر تلك الجهات الحاكمة أن لديها تأييداً من قبل العشائر، ويظهر زعماؤها مع شيوخ العشائر.
العشائر وهيئة تحرير الشام
ظهر الجولاني أكثر من مرة في اجتماعات عشائرية في إدلب، وتحدث عن دور العشائر وتأثيرها في المعادلة السورية، مؤكداً أن تحرير الشام تقيم اعتباراً للعشائر ودورها في حاضر سورية ومستقبلها، وأن النظام أهمل التأثير العشائري في المجتمع وحاربه.
كل ذلك يريد أن يظهر من خلاله أنه مؤيد من قبل العشائر وشيوخها، فهو يعرف كيف يستميل تلك الأسر، فكثير من شيوخ العشائر يسارع بإظهار الولاء للجولاني وتحرير الشام، وذلك ليس اقتناعاً بهما، بل من أجل أن يكسبوا المكانة وينالوا الحظوة.
فتحرير الشام تحاول كسب واستقطاب العشائر لمصلحة مشروعها، فقد سعت لسحب البساط من الفصائل الثورية من خلال إظهار نفسها أنها أشبه بدولة تعطي أهمية لكل شرائح المجتمع، ومنها العشيرة، كذلك شكلت تحرير الشام من خلال حكومة الإنقاذ مكتباً للعشائر "مجلس شورى العشائر" الذي له دور كبير في إدلب، فهو يعقد الصلح، سواء في النزاعات التي تحدث بين فئات المجتمع، أو بتلك النزاعات بين تحرير الشام والفصائل، حيث يمكنه أن يخرج معتقلين من سجون الهيئة، ويعقد جلسات صلح، كذلك فإنه يدفع ديات القتلى بالنزاعات التي تحدث بها عمليات قتل وثأر عشائري.
وتستخدم تحرير الشام علاقتها بالعشائر للترويج لنفسها في تأسيس مؤسسات وبناء هيكل دولة، فهي قد استفادت من الاستقطاب العشائري في محاربة خلايا تنظيم الدولة، من خلال تشنيع وجهاء وأصحاب النفوذ عشائرياً على الأسر التي ينتمي أحد أبنائها إلى تلك الخلايا.
سياسة تحرير الشام وتعاملها مع شيوخ العشائر أدت إلى حدوث منافسة بين الأسر على المكانة في حكومة الإنقاذ، وبدأت تلك الشخصيات تقدم الولائم للدلالة على أحقيتها في زعامة العشيرة، وصنعت لها داخل حكومة الإنقاذ علاقات شللية من أجل الإبقاء على المكانة وإزاحة المنافسين من الأسر الأخرى. ففي مناطق تحرير الشام يكاد يكون الاقتتال العشائري أقل حدة من مناطق الفصائل وقوات "قسد"، وذلك لقوة تحرير الشام في السيطرة على كامل المناطق التي تحكمها، ولوجود سلطة واحدة لديها مركزية قرار، بعكس مناطق الفصائل متعددة الجهات، ما يسهل الإنقاذ لها من قبل العشائر، كذلك فإن المعركة فيما بين العشائر بمناطق تحرير الشام معركة حرب باردة، حيث تتجلى تلك بالتنافس على كسب ود تحرير الشام، وخلق قنوات داخلها تؤيد تلك الشخصيات، وكذلك لعب بعض مسؤولي تحرير الشام على وتر المنافسة، لجعل تلك الشخصيات تدين بالولاء أكثر لها ولحكومة الإنقاذ.
قوات سورية الديمقراطية
أما بالنسبة إلى قوات سورية الديمقراطية، فقد تمكنت من كسب قدر كبير من الدعم من عشائر الجزيرة وعشائر منبج وأرياف الرقة، في مواجهة المخاوف التركية من مشروعها. تحوَّل العديد من أفراد تلك العشائر من دعم النظام ودعم داعش إلى دعم قوات سورية الديمقراطية لمحاربة داعش، وحرصت قسد على إظهار كسب العشائر لجانبها في محاربة تهديدات تركيا بشنّ عملية عسكرية عليها، حيث تجتمع بقادة العشائر على مستويات رفيعة فيها، وكثير ما يظهر مظلوم عبدي وهو مجتمع بزعماء العشائر الذين يلبسونه العباءة العربية دليلاً على تأييدهم له، كذلك يسمع من بعض شيوخ العشائر ثناءً على الزعيم الكردي المعتقل في تركيا عبد الله أوجلان، حيث يصفونه بأنه ملهم لقادة الثورات وزعماء التحرر بالعالم وبأنه فيلسوف.
أسباب عودة الاقتتال العشائري
بين الفترة والأخرى نسمع عن مواجهات بين العشائر، ولا سيما في مناطق فصائل الجيش الحر ومناطق قسد، وأدت تلك المواجهات إلى مقتل العديد من الأشخاص، مخلفة حالات من الضغينة والثأر. والخطير في الأمر أن نداءات الفزعات والتحريض التي يطلقها بعض أفراد العشيرة على العشيرة الأخرى، تحولت إلى منصات التواصل الاجتماعي، ولا سيما في" التيك توك"، وبدأت تذاع قصائد الهجاء من كل طرف ضد الآخر، داعية إلى الثأر، وتستنهض الهمم للاصطفاف والمواجهة وكأننا بسوق عكاظ ومواسم العرب. حروب العشائر على مواقع التواصل كانت كثيرة في العامين الأخيرين، ودعوات التحريض هذه ليس لها ضوابط، فازداد العراك وحمي الوطيس، ولا سيما أن أكثر من يقوم بالتحريض العشائري على وسائل التواصل الاجتماعي هم الشباب بكل ما فيهم من حماسة وجهل لخطورتها، ودعوات الاقتتال والتنمر وإظهار عيوب العشيرة الأخرى كان قبل مواقع التواصل طيّ الجلسات الخاصة، وكان كثيراً ما يضبطه حكماء العشائر وأصحاب الرأي السديد فيها، ودور هؤلاء ضعف في معارك التواصل الاجتماعي، لكونهم بعيدين عن استعمالها.
وخلقت وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة التنافس على المشيخة بين الأطراف داخل العشيرة نفسها، وفيما بين العشائر، إذ استخدم الوجهاء أو بعض من يعرف بالمشايخ الجدد، منصات التواصل للدعاية لأنفسهم، فكثير منهم لم يأتِ من عائلات تعرف بالشيخة، والجميع ساهم في هذه المعمعة حيث تصور الولائم التي يقيمها الوجهاء، مرفقة بشلات حماسية قادمة من مهد القبائل الأساس "نجد"، وتظهر في الصور المناسف للدلالة على الكرم مع قصائد حماسية. ففي السعودية تضبط الحماسة القبلية بوجود قوانين صارمة، تقف ضد إثارة النعرات القبلية. كذلك تحتمي العشائر بالفصائل التابعة للجيش الحر، فهي تستخدم الورقة الفصائلية لتصفية الحسابات فيما بينها. مثلاً، ينتمي أحد أفرد العشيرة إلى فصيل ما بالجيش الحر، لكي يصبح متنفذاً فيصفي حساباته مع العشيرة الأخرى.