الديمقراطية قبل نجدت أنزور

21 سبتمبر 2017
+ الخط -

عُرف مجلس (الشعب) السوري بين أبناء (الشعب) السوري بأسماء عديدة منها مجلس النهب، ومجلس الموافقين بالإجماع، ومجلس التصفيق والدبكة، و(مجلس الزجل الشرقي الأصيل).

بعض الناس يقولون إن (الشعب) السوري لم يأته أذى على مر العصور بقدر ما أتاه من مجلس (الشعب)، لأن حافظ الأسد لم يكن ليقبل بأن يؤذي شعبه مباشرة، أو من الباب للطاقة، بل كان يرتب القوانين، ويحيلها إلى المجلس ليصدرها، فيتبرأ هو من السمعة الرديئة، ويقال في المجالس: "والله حافظ كويس لكن اللي حواليه أوباش".

يُعَيَّنُ أعضاءُ المجلس، عادةً، بموجب انتخابات شكلانية مزورة تُتَرْجَمُ من خلال "قوائم الجبهة الوطنية التقدمية"! وقد دَرَجَت العادة أن يَنْصُبَ المرشحُ لعضوية المجلس سرادقَ الفرح، ويُعْلي دَلَّات القهوة المرة على النار، ويذبح الخراف البريئة، ويدعو النشامى والمطربين والدبيكة إلى سرادقه لأجل الاحتفال وإطلاق النار في الهواء فور ظهور اسمه في قائمة الجبهة، ويكون ذلك قبل الانتخابات بيومين أو ثلاثة على الأقل!

في دورة المجلس لعام 2012، وبما أن الثورة السورية انفجرت قبل عام، والقيادة الحكيمة أعلنت استعدادها لتلبية مطالب الشعب التي نعتتها بـ(المشروعة)، فقد خطت هذه القيادةُ الحكيمة خطوة واسعة إلى الأمام، وألغت المظاهر الشكلانية السابقة، و(عَيَّنَتْ) أعضاء مجلس الشعب من دون انتخابات، وبموجب قوائم مغلقة (بالتزكية)!

بتاريخ 24 مايو/أيار 2012 عُقدت الجلسة الأولى للمجلس، وجرى فيها انتخاب رئيس المجلس، بشفافية عالية، ومن خلال بث مباشر رهيب جداً.

فوجئنا نحن السوريين، يومها، بشخص جديد (من الوكالة) يرشح اسمه لرئاسة المجلس اسمه محمد جهاد اللحام، وفوجئنا كذلك بأن هذا الرجل المجهول الذي خاض هذه الانتخابات العفوية داخل المجلس قد فاز بنسبة أعلى من النسبة التي فاز بموجبها بشار الأسد في انتخابات الـ2007، مع أن الأسد هو معبود الجماهير السورية الكادحة وليس اللحام.

محمد جهاد اللحام، الحائز على كل هذه الثقة من رفاقه المعينين معه بصفة أعضاء مجلس الشعب، هو الآخر (فوجئ)، وغرغرت عيناه بدموع الفرح، ومن هول (المفاجأة)، وأخرج من جيبه ورقة كان قد حَضَّرَ فيها كلمة تلقى بمناسبة النجاح.. وراح يقرأ!

أي والله. هذا الذي صار.  

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...