الخطابات القومية وتطهير الأولاد

04 ديسمبر 2017
+ الخط -
في يوم من الأيام، على زمان حافظ الأسد، أقيم مهرجان خطابي في قاعة فاخرة بأحد الفنادق الفخمة بمدينة دمشق. المهرجان ضم لفيفاً من الخطباء المشهود لهم بالفصاحة والصوت الجهوري، والمقدرة على ترقيص الصوت، وتلحين الكلمات، والتفنن في لفظ مخارج الحروف..

كان عدد الخطباء الذين كتبوا خطاباتهم في بيوتهم، وشكلوها، ونقحوها، وجهزوها، كبيراً، وكان الجمهور قليلاً، وسبب قلته يومذاك أن الطقس في الخارج كان لطيفاً، فخرج الناس ليشموا رائحة الطبيعة الزكية بعيداً عن الكذب والنفاق وتمسيح الجوخ.. ولو كان الطقس قارساً أو لاهباً لوجدوا "النومة" في قاعة المهرجان الخطابي المكيفة أحسن وأطيب!


المهم في الموضوع أن أحد الخطباء، حينما أتى دوره، سعل، وتنحنح، وعَزَّل، مما أوحى للحاضرين أنه سوف يقول ويطول، وسوف يتسارع مثل السيارات الحديثة حينما تمشي في الأراضي المنبسطة.. وهذا ما كان بالفعل، فقد تجاوز السرعةَ الخطابية القصوى وهو يتحدث عن خطورة المرحلة التاريخية المعاصرة، والمؤامرات المتزايدة، والقيادة التاريخية للرفيق المناضل حافظ الأسد بطل التشرينين، وعن مشاريع الإصلاح، والتطوير، والتحديث، ومحاربة الفساد، والصمود، والتصدي، والثوابت القومية والوطنية..

وختم خطبته بالحديث عن التطهير، فقال، من جملة ما قال:
- سنطهر فلسطين والقدس ومرتفعات الجولان ومزارع شبعا من رجس الصهاينة، وسنطهر الضفة الغربية وقطاع غزة من المستوطنات، وسنطهر مجتمعنا من الرجعية والانتهازية والطابور الخامس وأذناب الاستعمار، ومن منتديات الحوار الديمقراطي التي وُجدت لتخلق البلبلة في صفوف شعبنا الذي يمتاز بلحمته الوطنية، وسنطهر الإنترنت الوطني من المواقع الإلكترونية العميلة، ومن جماعة المجتمع المدني الذين يريدون تسليم البلاد لقمة سائغة إلى المستعمرين، وسنطهر..

وكان بين الجمهور سيدة لطيفة، تحب الخطابات على نحو لم يسبق له مثيل، بدليل أنها كانت حاضرة، رغم أنها نفساء، وفي حضنها صبي رضيع يفتح العين من العمى.. وقد تجاوبت تلك السيدة إلى أبعد الحدود مع نوايا الخطيب المتعلقة بـ التطهير، حتى أنها صفقت له، وزغردت قبل أن ينهي جملته، ثم فكت (حفاض) الولد وقالت له:
- الله يخليك ويسترك يا أخي، طهر لي هالولد بطريقك!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...