الحضور النسائي في تغطية الكوارث والحروب
إنه مشهد جلي للعيان ولافت، لم يعد حضور النساء المؤثر خافيا على أحد، وربما تنطبق على حضورهن الفاعل والحيوي العبارة الشهيرة للحلّاج: "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة".
والرؤية هنا هي ساحات المنصات والمنابر الإعلامية ومحطات التلفزة الكبرى والمشهورة، فالمراسلات الحربيات أو مراسلات الميدان موجودات بكل ثقة وبحضور عددي ونوعي قد يطغى ويتفوق على أعداد المراسلين الرجال.
هل ساهمت الحروب والكوارث في تغيير الصورة النمطية عن المرأة الإعلامية التي كان يقتصر دورها على أن تكون مذيعة فقط، وربما مقدمة برامج اجتماعية أو برامج أطفال، وفي أحسن الأحوال برامج حوارية معلّبة وخفيفة، ويراد منها أن تكون تماماً مثل قطعة البسكويت مع فنجان القهوة، ويشترط فيها الجمال والأناقة والنعومة والسلبية في مواجهة من تستضيفهم المحطة أو الشاشة التي تعمل فيها.
يبدو أن التاريخ يرمم نفسه أيضاً، والترميم فعل حيوي يحتاج لمقومات متغيرة ولحضور مؤثر ومميز، كحضور المراسلات الميدانيات، خاصة في الصورة التي تكشف عن مذيعين رجال في الاستوديو خلف منصات التقديم يجلسون في أمان وسلام وثقة بمعايير السلامة والأمن الشخصي، بينما المراسلات على الأرض في جو حربي، ملتهب وحافل بالمخاطر وبالرصاص وباحتمالية القتل أو الأذى، عدا عن حجم الالتصاق بالمآسي الجارية على الأرض والتعرض المباشر لهول الرعب والصدمات النفسية المباشرة وغير المباشرة، وربما لخطر الاستهداف الشخصي والجسدي المباشر لهن وللمواقع التي يوجدن فيها.
لا جواب مؤكداً! لكن الواقع يتغير وبشدة، قد يقول بعضهم فلتنتهِ الحروب والكوارث ولا نريد حضورا للنساء في هذه الساحات الخطرة والقاتلة، إنها صرخة حقيقية ومحقة جدا، لكن الواقع يغلي ويفور بشدة ليقع تحت وطأة عنف جديد ومتزايد، يبدو أن الحروب وصنّاعها، والأرض في تمردها لا يعرفون معنى الاستكانة ولا الحاجة الملحة للسلام واستدامته وربما لثبات المواقع وسكون ثورات الأرض المجلجلة والمدمرة. وفي زحمة التصعيد تحجز المراسلات الحربيات والميدانيات أمكنتهن بكل ثقة وبكل نجاح واعتزاز رغم كل المخاطر المحدقة.
كان من اللافت أيضا فور اندلاع حرب غزة منشورات كثيرة تذكرت فورا المراسلة الميدانية شيرين أبو عاقلة والمذيعة والمحاورة اللبنانية نجوى قاسم الغائبتين بالجسد والحاضرتين بالفعالية والوطنية والمهنية العالية، وقد عبرت تلك المنشورات عن حجم الفراغ الذي خلّفه غيابهما المأساوي. إن لذكرهما بصورة استعادية مؤثرة معنى كبيراً يعبر عن قوة الحضور وتميز الأداء ومصداقيته وفعاليته.
كان من اللافت أيضا فور اندلاع حرب غزة منشورات كثيرة تذكرت فورا المراسلة الميدانية شيرين أبو عاقلة والمذيعة والمحاورة اللبنانية نجوى قاسم الغائبتين بالجسد والحاضرتين بالفعالية
ومن هنا يبرز الاحتياج الأكثر أهمية لأي عمل إعلامي وهو قوة الحضور وزخم الخبرة وتوفر المقدرة على الوصول والمتابعة، حتى تحول وجودهما إلى قيمة مضافة للمحطتين اللتين تعملان بهما وبات يستدل على المحطة بهما أولا. الشخصيات اللافتة تتحول إلى شخصيات مؤثرة وخلاّقة غير قابلة للنسيان، فكيف إذا كانت هذه الشخصيات نساء مميزات، مغامرات وجديات وقادرات على إثبات الوجود وتغيير خريطة الحضور الفاعل المحسوب مسبقا للرجال على حساب النساء.
أعتقد شبه جازمة أن التغير الأكثر أهمية هو ليس في الحضور فقط، بل في الذهنية المتغيرة، والتي باتت غير رافضة، بل ومرحبة بالمراسلات الميدانيات، والذهنيات هنا مختلطة ومؤثرة، هي ذهنية الأهل والعائلة والمجتمع، وذهنية وسائل الإعلام وحسابات الربح والخسارة، والحساب الأهم هو سؤال الجدوى الذي تغطيه هذه المشاركات البارزة والمحفورة في البصر والبصيرة والوجدان الجمعي العام عبر حضور النساء، لكنه سؤال يخص أولا وآخرا المراسلات الميدانيات أو الحربيات وجدالهن مع أنفسهن، الأهمية تكمن ليس في الخيارات فقط، بل في السعي إليها، بالمتابعة ، بالإصرار وبإحداث الفرق الكمي والنوعي، وتبدل الصورة ليس مجرد إجراء أو تعوّد تدرجي، إنه هدف متكامل له جدواه وله شجونه أيضا، يبقى لزاما عل الجميع التقبل التشاركي للنساء والإصرار على رفض الحرب.