الجنس عن بعد... ما وراء الحبّ
وراء الحبّ، تُومض شاشة زرقاء، تضطرب مضاجع، تنتشي ذوات، وتموت أخرى من الخيانة.
مقالنا هذا يستكشف الواقع الجديد للعلاقات العاطفية والجنس عبر التكنولوجيا، حيث يتيح الهاتف المزوّد بتطبيقات معيّنة، فصل الحبّ والجنس عن بعضهما، مستغلاً التكنولوجيا لتقديم تجربة فريدة. يثير نمط الحياة هذا تساؤلات عن الأخلاقيات الموضوعية، فكيف يؤثّر هذا التفكيك في العلاقات والمشاعر؟ تاركين المجال للاستكشاف والتفكير في تأثيرات هذا التقاطع بين الحبّ والجنس في عصر التكنولوجيا المتقدّمة.
لطالما عرّفت مدرسة التحليل النفسي (فرويد) الحبّ "بأنّه ليس إلاّ شكلاً من الجنس كفّ عن بلوغ غايته". أيضاً، قال الفيلسوف أرثر شوبنهاور، ذات مرّة: "إنّ كلّ نوع من الحب، مهما بدا جميلاً وأثيراً، ينبع تماماً من غريزة الجنس. في الواقع، إنّها الغريزة المطلقة، هي فقط تظهر في شكل أكثر تحديداً، وتخصّصاً، وبصورة شخصية".
وبناءً على ذلك، يمكن القول إنّ الواقع التكنولوجي أصبح بإمكانه بالفعل تفكيك الحبّ والجنس على حدة، إذ لم يكن الجنس مع الشريك مرضياً أو مشبعاً كفايةً؛ فبإمكان الرجل والمرأة أن يمنحا حبّهما لشخص، وجنسهما لشخصٍ آخر. هذا الواقع هو أُصبع ديناميت، يحتاج لفرقة فكّ قنابل تكتيكية، لأنّ السلك الأحمر هو الجنس، والسلك الأزرق هو الحبّ، وأيّ خطأ في تفكيكهما يدفع إلى الانفجار والتشظّي.
السلك الأحمر هو الجنس، والسلك الأزرق هو الحبّ، وأيّ خطأ في تفكيكهما يدفع للانفجار والتشظّي
الجنس في الحبّ عملية صعبة الإرضاء؛ فبإمكانك أن تحبّ شخصاً وتمارس الجنس معه، ولكنّه لا يُشبعك ولا يكفيك، أو ربّما تفضيلاته وتفضيلاتك مختلفة في العلاقة، وغير قادرين على توليف اتفاقية ما بهذا الشّأن، مخافة الحرج أو توليد مشاعر سلبية ومشاكل أنتم بغنى عنها في الوقت الحالي.
يأتي هنا دور التكنولوجيا، وهي الروبوت المفكّك لقنبلة الحبّ والجنس، تستخدم التكنولوجيا آلة هاتف مزوّد بشبكة إنترنت تعمل من خلال تطبيقات داعمة (فيسبوك، أنستغرام، تليغرام، سناب شات، وتطبيقات مواعدة)، يمسك الهاتف المزوّد بتطبيقات داعمة لفصل السلكين عن بعضهما، فيفصل الحبّ للشريك العاطفي، والجنس لشخصٍ آخر (الشريك الجنسي)، هذا الفصل يكون معالجاً بالذكاء الاصطناعي والافتراضي، حيث يتيح لك الهاتف من خلال التطبيقات العديد من الأشخاص المتاحين بالنّسبة إليك، والذين يمثّلون في واقع الأمر "النوع المفضّل" (التايب الجنسي) أو الأسلوب المحبّب (الستايل الجنسي)، تنتقي وتختار، وكأنّك تحجز فندقاً عن بعد، دارساً المكان والزمان والوجهة (الوضعية)، ويبدأ الجنس بضغط أزرار أو نقرات لفلترة صورة الوقت (اختفاء الزمن والحدود)، وكأنّك على برنامج تحسين الصور بالذكاء الاصطناعي، ولكن هنا تحسين الجنس بواسطة هذا الذكاء، تضغط لفظياً (شات)، أو صوتياً (فويس وكال)، أو بصرياً (صور وفيديو).
كلّ النقرات تتفق في الغاية وتتبع نظام التفضيلات للشركاء الجنسيين. غاية النقرة: الأورغازم والقذف. هنا يتناسى الشريكان الجنسيان مشاكل الحبّ، ويشعران بقدراتهما الجنسية، ومدى قوتهما في إنتاج اللّذة وتوليدها واستهلاكها، وكذلك في قدرتهم على المغازلة والإغواء والإثارة، فلا يهمّ عمر ولا جنسية ولا دين ولا هوية الشريك، بل ما يهمّ هو اللّذة المتدفّقة المتبادلة وفق "كتالوغ" معيّن، يكون الجنس في عميق هذه اللّحظة وكثافتها طقساً جديداً، الجنس من أجل السلام والانسجام مع الذات.
تظهر الرغبة في فصل العواطف عن الجنس، مستفيدة من التطورات التكنولوجية لتحقيق ذلك
هكذا تعيش بهويتين منفصلتين: المحبّ العاشق في الواقع، والجنسي الشهواني على الهاتف. هكذا لا تشعر بالازدواجية ولا الخيانة، لأنّك تعطي ما تفضّله وترتاح له أنت، ولكن الموضوع (الارتباط) يكون في حالة أرق عاطفي، فمهما وجدنا التبريرات لنا، هناك حقّ الموضوع (الموضوعية الأخلاقية) في طرح حكمه وتساؤلاته علينا، وبالفعل هذا الأرق يدفع المحبوب والمحبّ على حدّ سواء إلى الموت من الخيانة.
إنّ مصطلحات مثل "الجنس المفكّك عن الشريك" و"الحبّ المركّب مع الشريك"، تشير إلى تحوّلات في الديناميات العاطفية والجنسية مع التقدّم التكنولوجي، حيث تظهر الرغبة في فصل العواطف عن الجنس، مستفيدةً من التطوّرات التكنولوجية لتحقيق ذلك. ففي ختام هذا الاستكشاف للعلاقة بين الحبّ من قرب والجنس عن بُعد، نجد أنّ التكنولوجيا قد أعطتنا فرصة لاستكشاف هُويتين متنافرتين بمستويات مختلفة. بينما يعيش الحبّ العاطفي في الواقع، يجسّد الجنس الشهواني نفسه عبر الهاتف، ما يخلق تحدّيات أخلاقية كثيرة مثل: الخيانة، الازدواجية، الإخفاء والتلاعب، الصراع مع الذات على هويتين متنافرتين.