النازية والأسدية.. وجهان لعملة واحدة
على مدى أكثر من خمسين عامًا، عاش الشعب السوري تحت نظامٍ قمعي طغى على كلّ معاني الحرية والكرامة الإنسانية. حيث تمّ سحق كلّ صوتٍ معارض، بل حتى كلّ من اختار الحياد، بوحشيّةٍ غير مسبوقة. هذا القمع المُمنهج الذي بدأ في عهد حافظ الأسد واستمرّ مع وريثه بشّار الأسد، جعل سورية مثالًا معاصرًا لما يُعرف بـ"الدولة الإله"، وهو مفهوم يشبه النازية الألمانية في عهد أدولف هتلر، حيث تقوم الأنظمة على عبادة الفرد أو العائلة الحاكمة، مع ممارسة القمع الطائفي والاستبداد السياسي.
شخصيّة الأسد، كحال هتلر، اتسمت بجنون العظمة والارتياب. هتلر رأى نفسه مخلّصًا يجب أن يفرض رؤيته "الآرية" على العالم، بينما اعتبر الأسد نفسه صاحب حقّ إلهي في حكم سورية بقبضةٍ حديدية. هذه الحالة النفسية لم تكن مجرّد صفة شخصية، بل أصبحت أيديولوجية سياسية تحكم النظام بأسره، تهدف إلى سحق كلّ من لا يعلن الولاء المطلق للسلطة. الشعار الذي كان يُرفع في عهد حافظ الأسد "إلى الأبد يا حافظ الأسد" واستُبدل لاحقًا بـ"الله، سوريا، بشار وبس"، يعكس الاستبداد الذي أسر السوريين لعقود.
كما استغل هتلر مشاعر الكراهية العنصرية لتبرير الهولوكوست وإبادة الملايين من الأقليات، كذلك حوّل الأسد سورية إلى سجنٍ كبير. كانت سجون مثل صيدنايا شاهدة على جرائم تقشعر لها الأبدان، حيث تحوّل إلى مركز للتعذيب والإبادة الجماعية. لم يكن صيدنايا مجرّد مكان للاعتقال، بل رمزًا لقمع النظام، حيث قُتل الكثير من السوريين تحت التعذيب، ونُفّذت إعدامات جماعية بحقّ الأبرياء.
لم يترك النظام الأسدي مجالًا واحدًا إلا وأخضعه لسيطرته، بما في ذلك التعليم والإعلام والقضاء
هتلر روّج للنموذج "الآري" باعتباره قمّة التفوّق البشري، فيما روّج الأسد لهيمنة الطائفة على حساب غالبية الشعب السوري. الهيمنة لم تقتصر على السياسة، بل تسلّلت إلى المؤسّسات العسكرية والأمنية، حيث أصبح الولاء الطائفي معيارًا أساسيًّا، متقدّمًا على الكفاءة أو الوطنية.
تحت شعارات براقة مثل الاشتراكية والوحدة، برّر كلا النظامين جرائمهما. هتلر استغل الاشتراكية القومية لتوسيع سيطرته وقمع معارضيه، بينما استخدم الأسد واجهة الاشتراكية لتبرير استبداده وجرائمه الداخلية. ولكن الفارق أنّ هتلر سعى لفرض نموذج عالمي، بينما حصر الأسد جرائمه داخل سورية لضمان استمراره في السلطة.
لم يترك النظام الأسدي مجالًا واحدًا إلا وأخضعه لسيطرته، بما في ذلك التعليم والإعلام والقضاء. هذه المؤسسات تحوّلت إلى أدواتٍ لغرس عبادة الشخصية وضمان الطاعة المطلقة. المحاكم العسكرية والأجهزة الأمنية أصبحت مسارح لمحاكماتٍ صورية تفتقر إلى أدنى درجات العدالة.
القمع والطغيان لا يؤديان إلا إلى الخراب، والمجتمعات التي تصمت على أفعال الطغاة تساهم في استمرار معاناتها
مثلما استخدمت ألمانيا النازية الإعلام لترويج أيديولوجية التفوّق الآري، استغلّ النظام السوري الإعلام لغسل الأدمغة، مقدّمًا الأسد بوصفه رمزاً خالداً للوحدة الوطنية. لكن في الواقع، قسّمت سياسات الأسد المجتمع السوري على أسس طائفية وطبقية.
كما دفع هتلر أوروبا إلى حربٍ عالمية حصدت أرواح الملايين، قاد الأسد سورية والمنطقة إلى صراع دموي أدى إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين. واللاجئون السوريون اليوم يمثلون شاهدًا حيًّا على المأساة الإنسانية التي سبّبها نظام الأسد، تمامًا كما كان ضحايا الحرب العالمية الثانية شاهدًا على فظائع النازية.
ما فعله الأسد في سورية يشبه إلى حدٍّ كبير ما فعله هتلر في أوروبا، ويجب أن يكون هذا درسًا للعالم. القمع والطغيان لا يؤديان إلا إلى الخراب، والمجتمعات التي تصمت على أفعال الطغاة تساهم في استمرار معاناتها. إذا كان العالم قد تعلّم شيئًا من تجربة النازية، فهو مطالب اليوم بأن يطبّق هذا الدرس في مواجهة النظام الأسدي، الذي يمكن وصفه بالنسخة المعاصرة من النازية، ولكنه أكثر خبثًا ووحشية. مصير الأنظمة القائمة على الظلم والطغيان واحد، وهو السقوط تحت وطأة إرادة الشعوب والعدالة.