بعد رحيل الأسد.. ما مستقبل العلاقات السورية المغربية؟
دخلت سورية مرحلةً جديدةً من تاريخها السياسي، مع إعلان رحيل بشار الأسد عن السلطة، ووصول المعارضة المسلّحة إلى العاصمة دمشق، بعد سنوات من الحرب والقتل والتهجير والتشريد، ممّا يعني فتح صفحة جديدة لدمشق مع عواصم العالم، ومن ضمنها الرباط.
عرفت العلاقات المغربية السورية تذبذبًا ودخلت إلى النفق المسدود عدّة مرّات، بسبب دعم دمشق لجبهة البوليساريو الانفصالية، وهو ما ترفضه الرباط، وترى فيه معاكسة لمصالحها السيادية، كما أنّ العلاقات بين البلدين مرّت بعدّة صدامات، بدأت منذ 1965 عندما كانت المملكة هدفًا لهجومٍ شنته وسائل إعلام سورية، محمّلةً الرباط مسؤولية اختفاء الشهيد المهدي بن بركة. وبعدها، لم يكن البلدان على وفاق تام، إذ تأرجحت علاقتهما بين المدّ والجزر، ووصلت إلى حدّ قطع العلاقات الدبلوماسية أحيانًا.
وحافظت المملكة المغربية عن نهجها الدبلوماسي في عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتعاملت مع الأحداث التي شهدتها سورية بدءا من عام 2011 بحنكة عالية، وأخذت مسافة واضحة من النظام وأغلقت سفاراتها بعد التصعيد الذي شهدته الأراضي السورية رافضة التدخل الأجنبي في سورية.
وأكدت الخارجية المغربية حينها، أنّ "المملكة المغربية التي انخرطت بجدية وديناميكية في جميع القرارات والمبادرات العربية والدولية الهادفة إلى تسوية الأزمة السورية والتي حرصت، من خلال ذلك على إعطاء جميع الفرص لوقف العنف، تؤكد أنّ الوضع في سورية لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه، وتقرر مطالبة السفير السوري المعتمد لدى المملكة المغربية بمغادرة المملكة باعتباره شخصا غير مرغوب فيه".
تقتضي المصالحة رباطة جأش كبيرة وتغليب لمصلحة سورية العليا على حساب المصالح الشخصية
وهكذا، التزمت المملكة المغربية بثوابت سياستها الخارجية ونأت بنفسها عن التدخل المباشر في الأزمات الإقليمية، وهذا من صميم عقيدتها الدبلوماسية المبنية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، إلا من خلال البحث عن الحلول، مثل ما وقع في ليبيا، عندما احتضنت المملكة الحوار الليبي- الليبي، وغيرها من المواقف الثابتة للمغرب.
وبعد إطاحة بشّار الأسد، أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أنّ موقف المملكة المغربية ظلّ دائمًا واضحًا ويرتكز على الحفاظ على الوحدة الترابية وعلى السيادة الوطنية وعلى وحدة الشعب السوري. وشدّد رئيس الدبلوماسية المغربية على أنّ "المغرب، بقدر ما يقف إلى جانب سورية، مناديا بالحفاظ على سيادتها وبعدم التدخل في شؤونها، فهو يدفع دائما نحو ما فيه مصلحة واستقرار وسيادة ووحدة سورية وما يحقق تطلعات شعبها الشقيق".
وسيسعى المغرب، بعد أن تهدأ الأوضاع، إلى بناء علاقات جديدة مع سورية وإصلاح ما يمكن إصلاحه من خراب تسبّبت به سنوات من التذبذب، خاصة وأنّ دمشق كانت تدعم جبهة البوليساريو، الأمر الذي يرفضه المغرب جملةً وتفصيلًا، إذ ينتظر موقف الحكام الجدد من قضية الصحراء، وبناءً عليه قد يرسم معالم علاقاته المستقبلية مع سورية، وخاصة أنّ العقيدة الدبلوماسية للمملكة صارت واضحة، وأنّ قضية الصحراء هي المنظار الذي تنظر به.
وفي الوقت الراهن، سيحاول الحكام الجدد بدمشق إرسال رسائل طمأنة إلى العالم بإمكانية مدّ جسور التواصل، من ضمنها المغرب، خاصة وأنّ عودة سورية إلى الجامعة العربية، ستعزّز التقارب بين الرباط ودمشق، في ظلّ تأييد غالبية الدول العربية للطرح المغربي، القاضي بمنح أقاليمه الجنوبية الحكم الذاتي.
ما يجب أن يُدركه الجميع هو أنّ سورية دخلت مرحلة جديدة، تقتضي مصالحة بين السوريين، ممّا يحتّم على الجامعة العربية التحرّك واحتضان هذه المصالحة، ومحاولة طي صفحة الانتقام والانتقام المضاد، والتي (حال حصلت) لن تزيد سوى في تأزيم الوضع وزيادة التدهور، فالمصالحة تقتضي رباطة جأش كبيرة وتغليبا لمصلحة سورية العليا على حساب المصالح الشخصية، لأنّ الوطن أكبر من الجميع ويجمع الجميع، ونقل البلد إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والتوافق بين مختلف مكوّنات المجتمع السوري وأطيافه السياسية، يجب أن يكون مهمة الجميع.