الانهيار الصهيوني: بين الأزمات الداخلية وتصاعد المقاومة

27 أكتوبر 2024
+ الخط -

في خضم الأحداث المتسارعة في المنطقة، بات واضحاً أن المشروع الصهيوني يعيش حالة من التراجع والانهيار على عدة مستويات. فما بين الأزمات الداخلية المتفاقمة، والمقاومة الفلسطينية المتصاعدة، والتغيرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، تجد إسرائيل نفسها أمام تحديات تهدد استقرارها وبقاءها بالشكل الذي سعت إلى ترسيخه منذ نشأتها.

الأوضاع الداخلية في إسرائيل تعكس هذا الانهيار، حيث تتصاعد الخلافات بين التيارات السياسية المختلفة، وتزداد الفجوة بين اليهود المتدينين والعلمانيين. كذلك، تلقي المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بظلالها على المجتمع الإسرائيلي، مما يزيد من التوترات الداخلية ويهدد الوحدة الوطنية التي طالما اعتُبرت ركيزة أساسية لبقاء الكيان.

أما على الصعيد الخارجي، فقد أصبحت المقاومة الفلسطينية أكثر تنظيماً وقوة، بفضل الدعم الإقليمي والدولي الذي تلقاه. العمليات المتزايدة في الضفة الغربية وقطاع غزة أظهرت مدى هشاشة المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وكشفت عن ضعف قدرة الجيش الإسرائيلي على التعامل مع مقاومة شعب مصمم على تحرير أرضه. كما أن الدعم الشعبي المتزايد للقضية الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم يجعل من الصعب على إسرائيل الاستمرار في سياساتها التوسعية والاستيطانية دون مواجهة ضغوط دولية متزايدة.

الأوضاع الداخلية في إسرائيل تعكس هذا الانهيار، حيث تتصاعد الخلافات بين التيارات السياسية المختلفة، وتزداد الفجوة بين اليهود المتدينين والعلمانيين

وفي ظل هذه الظروف، تبرز التغيرات الإقليمية عاملاً آخر في تراجع الهيمنة الإسرائيلية. فقد باتت دول عربية وإسلامية، كانت تعتبر إسرائيل حليفاً استراتيجياً، تعيد حساباتها وتراجع علاقاتها مع الكيان، في ظل تزايد الوعي الشعبي بأهمية دعم القضية الفلسطينية. ومع بروز قوى إقليمية جديدة، مثل إيران وتركيا، التي تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة، يتراجع الدور التقليدي لإسرائيل كلاعب أساسي.

كذلك، لا يمكن إغفال التغيرات الدولية التي أثرت في هذا التراجع. فالمشهد السياسي العالمي يشهد تحولاً ملحوظاً، حيث تتصاعد الأصوات في الغرب التي تدعو إلى مراجعة السياسات تجاه إسرائيل، خاصة في ظل الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة. ومع ازدياد الوعي الدولي بالقضية الفلسطينية، أصبحت إسرائيل تواجه انتقادات غير مسبوقة من منظمات حقوقية ودولية، مما يضعها في موقف دفاعي باستمرار.

إلى جانب ذلك، تعاني إسرائيل من أزمات اقتصادية متفاقمة، فقد ازدادت معدلات الفقر والبطالة بشكل ملحوظ، وارتفعت تكاليف المعيشة، مما دفع الكثير من الإسرائيليين إلى النزول إلى الشوارع احتجاجاً على الحكومة. هذه التوترات الاقتصادية تعزز حالة الانقسام الداخلي وتضعف قدرة القيادة السياسية على التركيز على التهديدات الخارجية.

الانهيار الأخلاقي والسياسي في إسرائيل يتمثل أيضاً في فقدان الثقة بالمؤسسات الحكومية، بما في ذلك الجيش والقضاء. فالقضايا المتعلقة بالفساد السياسي تتفاقم، ويزداد الاستياء الشعبي من النخب الحاكمة. هذه الفجوة بين الشعب والنظام تجعل من الصعب على الحكومة تحقيق استقرار داخلي، في ظل استمرار الأزمات المتعددة.

في ضوء كل هذه التحديات، يبدو أن المشروع الصهيوني في مرحلة حرجة من تاريخه. هذا الانهيار لا يعني فقط تراجع القوة العسكرية أو السياسية، بل يمتد إلى القيم والمبادئ التي تأسس عليها الكيان. ومع استمرار المقاومة وتنامي الضغوط الداخلية والخارجية، يصبح من الصعب رؤية إسرائيل تحتفظ بموقعها الحالي دون تغييرات جذرية في سياساتها.

قد نشهد في السنوات المقبلة تحولات كبيرة تعيد تشكيل ملامح المنطقة. انهيار المشروع الصهيوني قد يمهد الطريق لظهور نظام إقليمي جديد يتسم بتوازن أكبر وعدالة للشعوب التي طالما عانت من الظلم والاحتلال.

كاتب وصحفي
محمد بهجت حسين
ناشط ومدوّن عراقي. درس في جامعة الموصل - كلية هندسة الإلكترونيات.