الاستشراق الرقمي في ضوء أوضاع فلسطين الراهنة

18 أكتوبر 2023
+ الخط -

يستخدم الفلسطينيون وسائل التواصل الاجتماعي كفضاء عام للنشاط النضالي الرقمي، للإبلاغ عن جرائم الحرب التي يتعرّضون لها والاحتجاج عليها. لكن بسبب سلطات كيان الاحتلال، فإنّ وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك وإكس...)، تعمل على التضييق على المحتوى الداعم لفلسطين. لهذا السبب، يناقش هذا المقال تبنّي منصّات التواصل الاجتماعي هذه لنظرية المفكر الفلسطيني-الأميركي، إدوارد سعيد حول الاستشراق الرقمي، التي تُعرَّف أحياناً باسم الفصل العنصري الرقمي. 

إحدى أبرز التجارب في هذا المجال، استغلال كيان الاحتلال للإعلام الرقمي والتفاعلي لنشر دعايته المضلّلة للتمكّن من احتلاله لفلسطين، فيما يُعمد إلى تجاهل المقاومة والمعاناة الفلسطينية والتلاعب في روايتها على مرّ سنوات من قِبَل المجتمع الدولي. وبالنسبة إلى الخوارزميات، فإنّ المؤسّسات التي تخلق وتدير خوارزميات البيانات الضخمة هي أوروبية ــ أميركية، وقد نُوقش مراراً (نتيجةً لذلك) أنّ انتشار هذه الخوارزميات حول العالم هو أحادي الاتجاه: مبتدئ من "الغرب" ومتحيّز ومُغرِض لأجندته. ولعلّ ما جرى من تضييق خانق على المحتوى الفلسطيني الآن، وما حصل بالمحتوى الخاص بحيّ الشيخ جرّاح في القدس عام 2021، يمثل شاهداً جَليّ المعالم على ماهية هذا الانتهاك، ومستواه، وحجم الشكوك حول نزاهة مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم كونها مجرد منصات اجتماعية محايدة لا تنفذ أجندات خاصة، إنّما تعزّز من فكرة تصدير صورة حسنة عن الكيانات الاحتلالية وبثّ صورة سيئة عن الأراضي التي تقبع تحت الاحتلال. هذا ما قامت عليه نظرية الاستشراق ما بعد الاستعماري لإدوارد سعيد، التي ركزت على الطريقة التي استغلتها وسائل الإعلام الغربية لتبرير السلوك الاستعماري من خلال بثّ صورة معادية للدول الشرقية باعتبارها دولاً غير متحضّرة. 

تقمع منصّات وسائل التواصل الاجتماعي، بصورة ممنهجة، المحتوى الفلسطيني المقاوم جنباً إلى جنب مع نظام الفصل العنصري، إذ تقمع وتحدّ من حريتهم في التعبير، ومن مقدرتهم على جمع الأدلة التي تُوثّق جرائم الحرب والانتهاكات التي يتعرّضون لها، وذلك عبر الحدّ من حساباتهم والتضييق عليها، وحذف منشوراتهم تحت دعوى "كسر قواعد المنصة" بل وقف بعض الصفحات مراراً وتكراراً.

 خُلاصة ذلك، أنّ الفلسطينيين يتعرّضون للاستشراق الرقمي. وقد أدّى هذا إلى إسكات أصواتهم وساعد الوحدات السيبرانية الصهيونية على صرف الرأي العام عن كلّ انتهاكات حقوق الإنسان التي مارسوها ضد الفلسطينيين. من الواضح، أنّ الاستعمار والصورة المشوّهة المُقدَّمة في الإعلام عن العرب كنتيجة للاستشراق هي مرتبطة بصورة مباشرة بخلق أشكال جديدة من الظلم، إذ من المهم استيعاب مفهوم الحوكمة السياسية للفضاء السيبراني لفهم العوائق التي تقف بوجه تنظيم المحتوى في ضوء الاستشراق.

المستخدمون الفلسطينيون لوسائل التواصل، والنشطاء منهم تحديداً، يُعامَلون بصورة مستمرة كمستخدمين من الدرجة الثانية، وبحريّة أقل في التعبير، من المستخدمين في الدول الأخرى

 فضلاً عن ذلك، يتبيّن أنّ تطبيق الحدّ والإزالة على المحتوى الرقمي يفتقر إلى الشفافية ويصعب فهمه في كثيرٍ من الأحيان. ولذلك، فإنّه لا بدّ لوسائل التواصل الاجتماعي من أن تكون أكثر صراحةً حول كيفية تطبيقها لقواعدها، ولا بدّ للسياسات أن تأخذ عوامل اللغة والثقافة وديناميكيات القوى وغيرها بمزيد من الاعتبار، بالإضافة إلى أعراف حقوق الإنسان الدولية حول المساواة وعدم التمييز. 

كذلك، تتعمّد مواقع التواصل الاجتماعي إزالة عدد كبير من منشورات المحتوى الفلسطيني بطلب من الحكومة الإسرائيلية عبر هيئات خاصة، وبشكل غير قانوني. وبحسب تقارير الشفافية الخاصة بمنصة فيسبوك، والصادرة عن الفترة الممتدة بين يناير/ كانون الثاني ويونيو/ حزيران لعام 2020، تلقت الشركة 913 طلباً إسرائيلياً بإزالة منشورات فلسطينية وأخرى داعمة للفلسطينيين، وقد نُفِّذ 81% منها.

بناءً على ذلك، فإنّ على منصات التواصل الاجتماعي توفير فضاء يقدّر التعدّدية الفكرية. فالاستخدام الممنهج للخوارزميات، قد يخلق انشقاقاً في المجال العام ويكون منحازاً تجاه سردية محدّدة من المحتوى من طريق تسليط الضوء على وجهة نظر محدّدة على حساب أخرى.

 استخدام هذه الخوارزميات يعني أنّ المستخدمين الفلسطينيين، والنشطاء منهم تحديداً، يُعامَلون بصورة مستمرة كمستخدمين من الدرجة الثانية بحريّة أقل في التعبير من المستخدمين في الدول الأخرى. 

سماء المقبالية
سماء المقبالية
ساردة عُمانية، وفنانةٌ تشكيلية، وباحثة حاصلة على بكالوريوس وماجستير القانون من جامعة مانشستر متروبوليتان في المملكة المتحدة. تعرّف عن نفسها بالقول: "كانت تختفي شيئًا فشيئًا، تتشربها أرض الشاطئ، مثل مياه الضفة".