الأمل في الأسد بين الواقع والتمنيات

20 يناير 2024
+ الخط -

لم تمض أيام على إصدار مجلس الشعب السوري قانونًا يبيح الاستيلاء على الأموال المنقولة وغير المنقولة للسوريين المعارضين لنظام الأسد، حتى بدأ النظام سلسلة إجراءات وخطوات يراها البعض تمهيدًا لمرحلة جديدة في سورية المستقبل. سواء تجلّى ذلك في استحداث "الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية"، التي تستوجب الحدّ من صلاحيات رئيس الجمهورية وتوزيع المهام، أو في ما سبقها من تصدير رئيس الوزراء حسين عرنوس إلى الواجهة بترؤسه وفد الجمهورية العربية السورية لحضور قمّة المناخ في دبي، ومن ثم في زيارة إلى طهران، لأنّ منصب رئيس الوزراء لا يعدو أكثر من منصب وظيفي لتسيير الأمور الخدمية، ولو سألت السوريين عن اسم رئيس الوزراء لجهله معظمهم.

وبالأمس، اعتبر مراقبون أنّ خطاب بشار الأسد في اجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث، وما حمله من لهجة تقريع ومصارحة غريبة عمّا درجت عليه العادة وأدبيات المقام، أنّ هذا الخطاب هو مؤشر واضح على طلائع المرحلة المقبلة الجديدة التي يسير بشار الأسد نحوها بخطى ثابتة.

إجراءات شكلية لا تتجاوز العناوين

كثيرة هي التحليلات والآراء التي يصب معظمها على القول إنّ وراء الأكمة ما وراءها، وإنّ هذه الإجراءات ستعقبها خطوات مشابهة، وأكثر جرأة وممهدة لحقبة جديدة في تاريخ سورية، وإنّ ذلك جاء نتيجة ضغوط رضخ لها رأس النظام، مجبراً عليها لا مختاراً.

إلا أنّ الواقع وبنية النظام ينبئانا أنّ شيئاً لن يتغير، حتى وإن اختلفت العناوين والتسميات واستحدثت المناصب واندمجت أفرع أمنية بأخرى تحت غطاء تقليص القبضة الأمنية، وما إلى آخره من عناوين لا مضامين.

أصبحت تجارة المخدرات إحدى ركائز النظام السوري التي تمدّه بالأوكسجين 

منذ بداية الثورة السورية وحتى عام 2014، وذلك حين كانت ثلاثة أرباع سورية خارج سيطرة النظام، وكان الثوار على مقربة من القصر الجمهوري في دمشق، بل وفي أكثر اللحظات رعباً للنظام حين قصف الغوطة بالسلاح الكيماوي، وبدأنا حينها نحسب الساعات والدقائق لسقوط النظام، لم يتنازل الأسد لشعبه أبدا، وأبى هذا النظام أن يغيّر شيئاً من سلوكه، في حين قام بالكثير من الإجراءات والتشريعات الصورية، التي لم تنعكس ولا بأي شكل من الأشكال، إيجاباً على الواقع، ولم يكن السوريون ينتظرون مفاعيلها على الأرض لأنهم في حضرة نظام عرفوه جيّداً.

أذكر العام الأول للثورة حينما كانت حواجز الجيش منتشرة في الأزقة، وعلى مفارق الطرق كيف، في ليلة وضحاها، استيقظنا على ذات الحواجز والأفراد وقد بدلوا ملابسهم إلى أخرى مكتوب عليها "الشرطة" بعد أن أخفوا الدبابات على مقربة منهم. وحين بحثنا عن السبب، اكتشفنا أنّ هناك بعثة أممية ستأتي للاطلاع على الوضع العام. وهذا مثال بسيط يعكس عقلية النظام السوري وآلية تفكيره.

لا حل إلا بالتغيير الجذري دون وجود الأسد

بنية النظام السوري هشّة ومعقدّة لدرجة أنّه مستعد للانتحار على أن يغيّر شيئاً جوهريًا في تركيبته، فهو كمن يقف على عصي إن تزحزحت إحداها سقط أرضاً. فكم من عفو صدر وصدّقَهُ البعض، ثمّ ما لبث أن اعتقل المواطنين من البوابات الحدودية؟ ثم ما الذي يضطره الآن للتنازل، وهو المنتصر على شعبه، الملتزم بالحياد تجاه العدوان الإسرائيلي على غزّة، بل وعلى المطارات والقواعد السورية التي تُدك بشكل شبه يومي، في الوقت الذي يستمر فيه هذا النظام بقصف إدلب دون خجل؟

كما أنّ اليد العربية لا تزال ممدودة و"خطوة بخطوة" على الطاولة، ومع أنهّا لا تستهدف رأس النظام ولا تغييره، وربما وصل الحال بالعرب إلى مطلب وحيد هو إيقاف تدفق "الكبتاغون" مقابل عودة الأمور إلى سابقها، إلا أنّ النظام رفض، وها نحن نسمع ونرى أطنان المخدرات التي تنبع من الأرض وتنهمر من السماء، منها ما يُضبط وكثير ما ينفذ، إذ أصبحت هذه التجارة إحدى ركائز النظام التي تمدّه بالأوكسجين. 

لذا نقول للمتفائلين، لا تنتظروا الكثير من رجلٍ دمّر بلده، وهجّر شعبه، وملأ الدنيا بالمخدرات، ورهن مقدرات البلد للأجنبي ثمنًا لكرسيه؛ لا تنتظروا منه أن يضحي لأجل "ضغوط"، قطعاً لن تكون أشدّ مما كانت عليه طوال العقد الماضي.