إسرائيل والمنزلق الدولي
نجحت إسرائيل نسبياً في الأيام الأولى من حربها على قطاع غزة، في ترويج فكرة الربط بين تنظيم داعش وحركة حماس، بشكل سريع وفعّال لدى أوساط مهمة في الرأي العام الدولي، وذلك بفضل جهود وتأثير اللوبي الصهيوني، الذي يسيطر على جزء كبير من النخب الإعلامية والسياسية الغربية، بتسويق حالات اعتداء تضمّنت قتل الأطفال واعتداءات جنسية على النساء.
ولكن سرعان ما بدأت الروايات والفبركات الإعلامية الإسرائيلية بالتلاشي تدريجياً يوماً بعد يوم، نتيجة غياب الأدلة والإثباتات الموثّقة، وفظاعة الجرائم والمجازر المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومشاهد التنكيل بالأسرى داخل السجون، في مقابل شهادات المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة بغزة، حول حسن المعاملة والرعاية الإنسانية التي قدمت لهم خلال فترة احتجازهم في القطاع، هذا فضلاً عمّا نشرته صحيفة هآرتس العبرية حول تحقيقات أولية للشرطة الإسرائيلية تفيد بأن "طائرة حربية إسرائيلية قصفت في السابع من أكتوبر 2023 إسرائيليين قرب مستوطنة "ريعيم" بغلاف غزة".
ومع توالي صور الفظائع والجرائم التي يرتكبها الاحتلال في غزة، وتداولها عبر الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكشف النقاب عن الفبركات الإعلامية الإسرائيلية وإثبات زيفها، بات هناك تحول لافت في الرأي العام الدولي، إذ انتقل السجال في الشارع الدولي من الحديث عن الفلسطينيين كضحايا يتجري انتهاك حقوقهم، إلى العودة لأصل الصراع والنقاش حول شرعية الوجود الإسرائيلي بحد ذاته.
انتقل السجال في الشارع الدولي من الحديث عن الفلسطينيين كضحايا يجري انتهاك حقوقهم، إلى العودة لأصل الصراع والنقاش حول شرعية الوجود الإسرائيلي بحد ذاته
ويمكن الجزم بأن الرأي العام الدولي قد فرض نفسه على المشهد الرسمي الدولي، حيث يمكن لمس التغيّر في الخطاب السياسي للحكومات التي كانت تدعم إسرائيل بداية الحرب، هذا فضلاً عن تحولات في المواقف الدولية بدأت تتبلور مع استعداد دول مثل إسبانيا وبلجيكا للاعتراف بدولة فلسطين. ما يشير إلى أن هناك فرصاً كبيرة لحسم الحرب لصالح الفلسطينيين، وتحريك عملية التفاوض نحو صفقة تبادل واسعة.
يُسَجّل للمقاومة الفلسطينية تفوقّها على الاحتلال الإسرائيلي في معركة الرأي العام الدولي وحتى الإسرائيلي، ممّا يدفع نحو تحرّك دولي وإقليمي وتحوّلات في المواقف الدولية لصالح القضية الفلسطينية، في مواجهة العجرفة الإسرائيلية والمجازر الوحشية التي لا يمكن تجاهلها.
ولا يعني ما سبق وجوباً أن تخضع إسرائيل كلياً لمتطلبات صفقة تبادل وفقاً للرؤية الفلسطينية، حيث يشير إجراء الاعتقالات الواسعة التي نفذتها قوات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى تخزين إسرائيل لسجونها تحسباً لتبادل الأسرى في المستقبل. ويأتي التوحّش الإسرائيلي في قطاع غزة بعد الهدنة المؤقتة كجزء من مساعي إسرائيل لتجنب التوصل إلى صفقة تبادل كبيرة تشمل الأسرى القادة والقدامى والمحكومين بالمؤبد، والتي يمكن أن تمثل انتصاراً للمقاومة الفلسطينية، فالحالة الإسرائيلية لا تحتمل هزيمة مُضافة. كما لا يمكن إغفال حقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يواجه تحديات كبيرة ترتبط بمستقبله الشخصي من جانب، وتعقيدات الساحة السياسية الإسرائيلية من جانب آخر، هذا فضلاً عن وجود ائتلاف متطرف، سيكون له بالمرصاد إذا استجاب لمحددات وشروط المقاومة الفلسطينية.
أوقعت إسرائيل نفسها في منزلق دولي جعل إمكانية استمرارها في الحرب على غزة ضعيفة جداً، ولهذا ستحاول تحقيق أكبر خسائر ممكنة في غزة قبل وقف الحرب. وقد اعتادت إسرائيل على التنصّل من التعهدات والاتفاقيات، دون وجود قوة تلزمها بذلك، ما يستوجب أداء فلسطينياً يتّسم بالحذر الشديد، ويحرص على تجنّب الوقوع في أي أخطاء في المرحلة القادمة، لضمان تحقيق أفضل النتائج في المفاوضات القادمة.