أميركا والمواجهة الإسرائيلية الإيرانية

17 أكتوبر 2024
+ الخط -

في ظلّ التوترات المتزايدة بين إسرائيل وإيران، يبرز دور الولايات المتحدة الأميركية عاملاً رئيسياً في توجيه وإدارة هذه المواجهة، حيث تلعب الولايات المتحدة دوراً حاسماً في ضبط التصعيد وتحديد مسار الأمور في المنطقة. وكلُّ ما يصدر عن الإدارة الأميركية من تصريحاتٍ بشأن سياستها في المنطقة ليس إلا محاولة لتقديم صورة متوازنة ومقبولة دولياً، والإيهام بأنّها تنتهج سياسة خارجية مستقلة عن إسرائيل، بينما تبقى الحقيقة أنّ أميركا تحرص على إدارة اللعبة بما يخدم مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل.

تعمل الولايات المتحدة بشكلٍ استراتيجي على منع حدوث تصعيد شامل بين إسرائيل وإيران، وذلك خشيّة أنّ يتسبّب هذا الصراع في زعزعة استقرار المنطقة بأكملها. ومن أبرز المخاوف الأميركية احتمال تدخل قوى دولية أخرى، مثل روسيا، في حالة خروج الأمور عن السيطرة. وتركز واشنطن جهودها على الحفاظ على توازنٍ دقيقٍ في المنطقة، بحيث تسمح بضرباتٍ مُتبادلةٍ محدودةٍ بين إسرائيل وإيران، لكنها تتجنّب تحوّل الوضع إلى حربٍ إقليميةٍ شاملة.

ومن خلال التنسيق الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة، يبدو أنّ الأخيرة تسعى إلى تحديد نطاق الهجمات العسكرية بشكلٍ مدروس، وقد وفرت واشنطن لإسرائيل غطاءً سياسياً وعسكرياً لشنّ هجماتٍ محدودةٍ على المنشآت الإيرانية. وفي المقابل، تدير واشنطن الردود الإيرانية لتكون ضمن نطاقٍ يمكن لإسرائيل التعامل معه، باستخدام أنظمة الدفاع المدعومة أميركياً. وتعكس هذه الإدارة الدقيقة محاولةً لتجنّب أيّ تصعيدٍ غير محسوب قد يؤدّي إلى اندلاع نزاعٍ أكبر. ومع ذلك، يبقى احتمال خروج الأمور عن السيطرة دائماً قائماً في ظلّ تعقيد المشهد الإقليمي.

إدارة نتنياهو الميكافيلية وطموحات اليمين الإسرائيلي المتطرّف الوحشيّة قد تؤدّي إلى تصعيدٍ غير محسوب

تشكل التطوّرات الدولية، لا سيّما المتعلّقة بالجدول الزمني للأحداث العالمية القادمة، أحد العوامل الحاسمة في تحديد توقيت أيّ ضربةٍ إسرائيلية مُحتملة ضدّ إيران، حيث إنّ توقيع معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران المُرتقب في قمّة بريكس في الفترة ما بين 22-24 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2024، يضع تحدّيات جديدة أمام إسرائيل والولايات المتحدة، وقد يغيّر من الحسابات الدولية، بحيث يجعل من الصعب التعامل مع إيران بعد دخول هذا الاتفاق حيّز التنفيذ، تجنّباً لتصعيدٍ عالمي كبير. وعليه، فإنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً بات يتمثل في سعي إسرائيل لضرب أهداف إيرانية قبل هذا التاريخ لتحجيم نفوذ إيران في المنطقة وضمان عدم توسيع نفوذها بشكلٍ أكبر بعد القمّة.

تظلّ الولايات المتحدة القوّة المحورية في إدارة المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، حيث تحاول موازنة دعمها لإسرائيل مع منع التصعيد الذي قد يضرّ بمصالحها في الشرق الأوسط. إلا أنّ المخاطر تبقى قائمة بسبب تعقيد الحسابات الإقليمية والدولية، ما يجعل التنبّؤ بالمستقبل القريب أمراً صعباً، فعلى الرغم من التخطيط الدقيق والتنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة، يبقى الوضع في المنطقة هشاً ومُعرّضاً للتقلبات، حيث إنّ إدارة نتنياهو الميكافيلية وطموحات اليمين المتطرّف التوحشيّة قد تؤدّي إلى تصعيدٍ غير محسوب، في حين أنّ أيّ خطأ أو سوء تقدير في الحسابات العسكرية من أيّ طرفٍ يمكن أن يُشعل صراعاً شاملاً. 

وفي نهاية المطاف، يبقى مفتاح أيّ تهدئة أو تصعيد في المنطقة والإقليم منوطاً بما يجري في قطاع غزّة الذي يمثل حجر الزاوية في أتون هذا الصراع الدامي، فهي البداية والنهاية لأيّ حلٍّ محتمل، وقد وصلنا إلى مرحلةٍ يُعتبر فيها فرض أيّ حلٍّ مع الأطراف الإقليمية الأخرى أمراً مستحيلاً من دون معالجة الوضع في غزّة أولاً.