طائرة الصناعة تهبط في مطار جنين الزراعي

06 مايو 2014
(Getty)
+ الخط -

يقود المزارع الستيني محمود أبو فرحة من قرية "الجلمة" شمال جنين شمال الضفة الغربية سيارته بهدوء على شارع الناصرة المحاذي لمرج بن عامر، وينعطف يساراً إلى سهل شاسع، قائلاً "هذه أخصب بقعة في فلسطين".

وعلى عمق بعيد، قرب قرية "مقيبلة" الحدودية المحتلة عام 1948 يتوقف أبو فرحة ويشير بسبابته لمراسل العربي الجديد: "وهذه أرضي التي استملكتها السلطة الفلسطينية لصالح المنطقة الصناعية بجنين".
وأصدرت السلطة الفلسطينية قرارا باستملاك 933 دونماً قابلة للتوسع في مرج بن عامر الواقع بين منطقة الجليل وجبل نابلس، لبناء منطقة صناعية على ثاني أكبر مساحة مزروعة في الضفة الغربية بعد الأغوار.
ويقوم اقتصاد محافظة جنين التي يقطنها 260 ألف نسمة حالياً الزراعة لا الصناعة، وفيها 194 ألف دونم سهلية.
وعكس المعطيات الواردة من مقر محافظة جنين التي تؤيد بناء منطقة صناعية في مرج ابن عامر لاعتبارات عدة من بينها أن الأراضي الصالحة للزراعة غير مستغلة بالكامل ولا على الوجه الأمثل، يقول أبو فرحة الذي يملك 38 دونماً مهددة بالاستملاك: "أرزعها سنوياً منذ أربعين عام.. أزرع للإنسان والحيوان، سنة قمح وسنة برسيم".

وتابع حديثه بعد أن ألقى التحية على مزارعين يقطفون محصول السبانخ "أرضنا مُهملة في عيونهم".

في المرج الذي تبلغ مساحته الكلية 351 كم _ولم يبق منه بعد النكبة عام 1948 تحت السيطرة الفلسطينية أكثر من 12%_ تدور جرارات زراعية على مد البصر لحراثة الأرض، وحده المزارع الستيني لا يدري ماذا يدور في دهاليز الحكومة التي تعتزم تحويلها لمنطقة صناعية.

وتمتد جذور المنطقة الصناعية بجنين إلى 18 عاماً الى الوراء، حيث طرحت الفكرة لأول مرة عام 1995، وبنفس العام تشكلت شركة الشمال الصناعية الدولية التي اشترت 663 دونماً من أصحاب الأرض المسماة "ارض المطار" نسبة لمطار مقيبلة العسكري البريطاني سابقا، والذي ما زالت آثاره العمرانية واقفة في السهل إلى الآن.

وحصلت الشمال على ترخيص من وزير الاقتصاد آنذاك أحمد قريع، للقيام بتطوير وإدارة المنطقة الصناعية. ومولت ألمانيا المشروع الذي لم ينطلق فعليا ليتوقف عام 2000 بسبب انتفاضة الأقصى.

ويقول نائب مدير وزارة الزراعة بجنين منذر صلاح، مُعقبا على تلك الفترة: "شاركت في اجتماعات اللجنة التوجيهية المشتركة المختصة بالمنطقة الصناعية، حضر الاجتماعات ممثلون عن مجلس إقليمي جلبواع الإسرائيلي في منطقة بيسان، وأحد الاجتماعات عُقد في بلدية حيفا وآخر في زرعين داخل الخط الأخضر".

وكان صلاح وما زال مناهضاً لبناء منطقة صناعية في السهل، ولم تمنح مديريته الزراعية ترخيصا لإنشائها في مرج ابن عامر، عملاً بقوانين وزارة الزراعة.

ووصف المشروع بالأخطر على المرج لأنه لن يأكل ما يقارب ألف دونم زراعي فقط بل حتما سيمتد.

وقال مستشار محافظ جنين لشؤون المؤسسات الحكومية طالب عبد الهادي، والذي كان في السابق يتابع مجريات المشروع قبل أن تنتقل المسؤولية إلى جهات أخرى كوزارة الاقتصاد وهيئة المدن الصناعية: "المشروع يدعم الزراعة وليس العكس، وكل بناء هو بمثابة صمود على الأرض. لا تُصدق أن أحداً لم يوافق على فكرتها".

وعندما ذكرت اسم وزارة الزراعة كجهة رفضت منح ترخيص لبنائها وتم تجاوزها بقرارات عليا، وضع عبد الهادي وثائق المنطقة الصناعية على الطاولة وقرأ أسماء المؤسسات ذات العلاقة، فتبين حقا أن وزارة الزراعة غير مدرجة على قائمة المشاركين، رغم أن المنطقة تقام على أرض زراعية تخص أولا وزارة الزراعة.

وفي العام 2011 تم سحب الترخيص الذي منح لشركة الشمال لأنها لم تبدأ بتنفيذ المتفق عليه، وحتى هذا التاريخ كانت المنطقة الصناعية حبر على ورق، وحلت محلها الشركة التركية (TOBB-BIS) .

وبدأت الشركة التركية بالبناء على أرض المطار التي اتفقت السلطة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي على تحويلها من منطقة مصنفة (ج) _وهي المناطق التي لا سلطة للسلطة الفلسطينية عليها_ إلى منطقة مصنفة (ب) يمكن للسلطة البناء فيها.

ودخل مركز بيسان للبحوث والإنماء، ومقره رام الله، على خط المواجهة لمنع إقامة المنطقة متسلحاً بثلاثة سيوف سياسية واقتصادية وقانونية.

ويقول القائم بأعمال مدير المركز، اعتراف الريماوي: "قانونياً يكون الاستملاك للمصلحة العامة وليس لمصلحة القطاع الخاص. سياسياً فقد الفلسطينيون السيادة على الأرض لصالح الشركة التركية التي ستتحكم بكل كبيرة وصغيرة بموجب عقد موقع مع الحكومة الفلسطينية لمدة 99 عاماً. اقتصادياً هذه مشاريع إفقار لا تنمية، من يستطيع من الفلسطينيين استئجار متر الأرض فيها بـ 20_30 دولاراً؟".

ويشكك مراقبون بأن سماح إسرائيل ببناء المنطقة على بعد 165 متراً من حدودها كان لمصلحة عيون الاقتصاد الفلسطيني.

ويقول مركز بيسان "إسرائيل شريك فيها، وإلا لماذا شكر الوفد التركي الذي عقد اجتماعاً في جنين لإطلاق المشروع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس؟".

ومنطقة جنين الصناعية هي الثالثة في الضفة الغربية بعد واحدة بأريحا وثانية في بيت لحم.

وقال مدير منطقة جنين الصناعية، نديم أبو شملة: "الحديث عن الموضوع من اختصاص وزير الاقتصاد جواد ناجي، وزارة الاقتصاد رَشحت مدير عام هيئة المدن الصناعية أحمد حساسنة للحديث، حساسنة أكد أن الحديث من اختصاص نديم أبو شملة. وهكذا لم يتحدث أحد".

ويزرع الفلسطينيون في جنين وحدها 120 ألف دونم محاصيل حقلية، 70% منها قمح. ويستهلك الفلسطينيون سنوياً 360 ألف طن من القمح فيما ينتجون 40 ألف طن فقط، في الضفة الغربية وقطاع غزة 220 ألف دونم تُزرع قمح سنوياً.

وللمزارع محمود أبو فرحة طريقته في الإحصاء، حيث يقول "أرض المطار 3200 دونم، ستبنى المنطقة الصناعية مبدئيا على 933 دونم، تُنتج 500 طن قمح، وتُطعم 5000 نسمة سنوياً، وهذه معلومة أنا مسؤول عنها"، وفعلاً كانت معلوماته دقيقة وفقا لمديرية الزراعة بجنين.

وأصرَ المزارع أبو فرحة أن ينقل مراسل "العربي الجديد"، بسيارته القديمة من السهل إلى مركز جنين. على الطريق انشغل باتصال هاتفي، كان يُرتب لبيع محصول الخس، وقبل أن يُغادر، قال لمراسلنا: "قُل لهم أن يعيشوا في فنادق خمس نجوم، وأنا سأعيش في العراء".

 

المساهمون