تتجه أميركا ــ دونالد ترامب إلى تدشين حروب جديدة لا تبدو إيران إحدى ساحاتها. بهذه العبارة يمكن اختصار الانطباع الأولي لدى الاطلاع على موازنة وزارة الدفاع، التي أقرها الكونغرس أول من أمس. موازنة قياسية، فاقت كل التوقّعات، إذ أصبحت تبلغ 700 مليار دولار، لشراء سفن وطائرات وزيادة عدد القوات الأميركية، في تطبيق حرفي لشعار ترامب "أميركا أولاً". كما أن الموازنة ستؤمن 60 مليار دولار لتمويل ما يسمى بعمليات الطوارئ ما وراء البحار، أي الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة خارج أراضيها.
وتركز وجهة الحرب الأميركية على 3 مناطق: كوريا الشمالية وأوكرانيا وأفغانستان. ويأتي خطر بيونغ يانغ على رأس القائمة، إذ تم رفع الأموال المرصودة لتعزيز الدفاعات الصاروخية الأميركية والحرب الإلكترونية تحسباً للتهديد، الذي باتت تشكله كوريا الشمالية. وعلى الرغم من تراجع تهديد تنظيم "داعش" في العراق وسورية، فإن الموازنة الدفاعية الجديدة تسمح بصرف 1.8 مليار دولار من أجل تدريب وتسليح القوات الحليفة لأميركا في العراق وسورية. وستطيح موازنة الدفاع الأميركية للعام 2018 بمبدأ "القوة الناعمة" الذي كان الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، يعتمده. وتجاوزت الموازنة الحالية ميزانية العام الماضي، التي بلغت 619 مليار دولار. كما تلغي الزيادة على الموازنة الدفاعية مفاعيل إجراءات التقشف التي وضعها أوباما عام 2011 (قانون مراقبة الموازنة) والذي فرض إلغاء تلقائياً مزدوجاً على الإنفاق الدفاعي وغير الدفاعي، في حال تم تجاوز سقف 549 ملياراً لكل منهما في عام 2018، لكن بحسب القانون، لا يمكن لهذا الإلغاء التلقائي أن يحصل من دون قرار يصدر عن البيت الأبيض.
وجاء إقرار مجلس الشيوخ الأميركي لقانون الميزانية التي تعرف باسم "قانون تفويض الدفاع الوطني"، بغالبية ساحقة، مع موافقة 79 صوتاً، مقابل رفض 8 أعضاء فقط بعدما سبق لمجلس النواب أن أقرها في وقت سابق، وبالتالي لم يعد يتعيّن على ترامب سوى توقيعه. وفاقت الميزانية طلبات الرئيس الأميركي الذي اقترح أن تكون 668 مليار دولار. وسيتم من خلال الموازنة الجديدة شراء معدّات عسكرية حديثة، بينها خصوصاً 90 مقاتلة من طراز "إف 35"، أي أكثر بعشرين طائرة عما كان ترامب طلبه. كما سيتم شراء 24 طائرة حربية من نوع "سوبر هورنيت"، أي أكثر بـ10 طائرات مما اقترحه الرئيس، فضلاً عن عشرات الطوافات والدبابات الجديدة المدرّعة و14 سفينة جديدة وغواصات. وسيرفع القانون مستويات القوات في الخدمة بواقع أكثر من 16 ألف جندي.
وفي مواجهة تهديد الصواريخ البالستية الكورية الشمالية، وافق البرلمانيون الأميركيون على زيادة استثنائية، نحو 50 في المائة في موازنة وكالة الدفاع الصاروخي التي سترتفع من 8.2 إلى 12.3 مليار دولار. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الإدارة الأميركية المتخوفة من عدم قدرة الأنظمة الصاروخية الدفاعية على حماية المدن الأميركية من هجوم كوري شمالي، وسعت من استراتيجية مواجهة بيونغ يانغ لتشمل إمكانية وقف الصواريخ الكورية الشمالية قبل أن تخرج من أجواء البلد. والمقاربة الجديدة، التي تم الإشارة إليها في طلب مستعجل إلى الكونغرس الأسبوع الماضي، تلحظ المطالبة بأربعة مليارات دولار للتعامل مع كوريا الشمالية، وكيفية استخدام الأسلحة الإلكترونية للتدخل في أجهزة التحكم بالأسلحة الكورية الشمالية قبل إطلاق الصواريخ، بالإضافة إلى استخدام الطائرات من دون طيار والمقاتلات لإسقاط الصواريخ بعد دقائق من انطلاقها.
وتؤمن الميزانية 60 مليار دولار لتمويل ما يسمى بعمليات الطوارئ ما وراء البحار، أي الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة خارج أراضيها. وفي إطار حروبها الجديدة القديمة، فإن أوكرانيا ستحصل على 350 مليون دولار على شكل مساعدة أمنية. وعلى الرغم من أن الحرب على تنظيم "داعش" قد خفتت، فإن الموازنة تسمح بصرف 1.8 مليار دولار من أجل تدريب وتسليح القوات الحليفة لأميركا في العراق وسورية. كما ستحصل القوات الأمنية الأفغانية على 4.9 مليارات دولار، بينها 1.7 مليار دولار من أجل القوات الجوية، و41 مليون دولار لعمليات التجنيد ودمج النساء في القوات الأفغانية. من ناحية أخرى، أعلن البنتاغون نشر زهاء 3 آلاف جندي أميركي إضافي في أفغانستان طبقاً لاستراتيجية ترامب الجديدة لأفغانستان. وكانت وزارة الدفاع الأميركية تُقدّر عدد القوات الأميركية في أفغانستان بـ11 ألف جندي، غير أنّ البيت الأبيض وافق على إرسال مزيد من التعزيزات بطلب من قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، الجنرال الأميركي جون نيكلسون. وقال الجنرال الأميركي كينيث ماكنزي: "انتهينا للتو من إرسال تعزيزات إلى أفغانستان". وأضاف "العدد الجديد للقوات الأميركية في أفغانستان بات يبلغ بالتالي زهاء 14 ألفاً". وستُكلّف القوات الإضافية تدريب الجيش الأفغاني ومساعدته في الحرب ضد حركة "طالبان". وستحصل إسرائيل على 705 ملايين دولار من أجل نظامها للدفاع الصاروخي.
وجاء قرار إجازة الانفاق العسكري في مجلس الشيوخ دعماً لرغبة ترامب في زيادة قوة الجيش، لكنه مهد بذلك لجدال واسع حول الإنفاق الحكومي في الولايات المتحدة. وقال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ، السناتور الجمهوري جون ماكين، عن القانون الذي قام بالإشراف عليه، "هذا يعزز الإيمان بنفوس رجالنا ونسائنا الذين يرتدون البزة العسكرية". وأشار إلى ازدياد عدد الحوادث خلال التدريب داخل الجيش، معتبراً أن غياب "التحضير" هو نتيجة للميزانيات المتقشفة التي استنزفت الجيش والبحرية وباقي القطاعات. وأضاف "العديد من رجالنا ونسائنا بالبزة العسكرية يقتلون خلال التدريب في حوادث يمكن تجنبها وفي مهمات روتينية أكثر من الذين يقتلون على يد أعدائنا خلال المواجهات". يشار إلى أن مرجعية التحوّل في الاستراتيجية الدفاعية لواشنطن هي مذكرة 31 يناير/كانون الثاني الماضي لوزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، التي وضعت عناوين أولويات البنتاغون وانعكاساتها على الموازنة في المدى القريب والمتوسط، وقد طالب بأن تسعى الموازنة الدفاعية المقترحة لعام 2018 لتحقيق التوازن بين النواقص البرمجية الملحة ومواصلة تعزيز الجهوزية الحربية. هذا يعني شراء المزيد من الذخائر العسكرية وزيادة عدد الجنود الأميركيين إلى "الحد الأقصى المسؤول".