استقبل عمال مصر عيد العمال، اليوم، وسط حالة عامة من الإحباط تسود بين جميع المصريين، في ظل غلاء يستفحل يوماً بعد يوم. وتلقى العمال، في عيدهم، خمس هدايا صادمة، كانت أولاها من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي اختار إقامة أول احتفال بعيد العمال يحضره بصفته الرئاسية في أكاديمية الشرطة بعدما كان الاحتفال يتم وسط العمال في أحد المصانع الكبرى في عهد عبد الناصر، وفي عهد السادات أيضاً وكذلك في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي.
وكانت الهدية الثانية من السيسي أيضاً عندما طالب العمال بـ"الصبر"، وقال: "أي حد يقدر يعطي العامل المصري ما يكفيه ويزيد فلن يتأخر، ولو أقدر أزوّد أصحاب المعاشات حتى يعيشوا حياة كريمة فلن أتردد يوماً"، وهو ما اعتبره العمال وأصحاب المعاشات تخلياً عنهم.
وجاءت الهدية الثالثة، في بيان أصدرته وزارة الكهرباء عشية عيد العمال، تبشّر فيه برفع أسعار الكهرباء في المنازل اعتباراً من مطلع يوليو/ تموز المقبل، ضمن خطة إعادة هيكلة الدعم ورفعه تدريجياً. وزعمت الوزارة أن رفع الدعم يصب في مصلحة المواطن البسيط! فيما أكد الوزير الدكتور محمد شاكر بنفسه، في تصريح صحافي، أن الزيادة لن تقل عن 140 قرشاً.
أما أغرب الهدايا، فتمثلت في تنظيم "مارثون للدراجات احتفالاً بعيد العمال"، صباح اليوم الجمعة، تحت رعاية وزارتي القوى العاملة والشباب، ما يمثل نوعاً من النفاق الصارخ للرئيس السيسي، الذي يهوى مثل هذه الرياضات التي لا تمت بصلة للاحتفالات المعتادة بعيد العمال، بحسب رأي القيادي العمالي محمد عبد السلام.
واستكمالاً للهدايا، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكماً صادماً للطبقة العاملة المصرية ويقضي بتجريم الإضراب وإحالة العامل الذي يضرب عن العمل للمعاش المبكر.
وقد استطلعت "العربي الجديد" آراء عدد من القيادات العمالية حول رؤيتها للمشهد العمالي في مصر.
وقالت عضو حملة "نحو قانون عمل عادل"، فاطمة رمضان، إن مشاكل العمال كما هي منذ أكثر من عشرين عاماً، ولم تحاول الحكومات إصلاحها، وأهمها مشكلة الأجور والتي يتطلّب حلها أن يحصل العامل على ما يكفيه من الحد الأدنى للمعيشة، وأن يشعر بالأمان في عمله ولا يكون لصاحب العمل السلطة في الإطاحة به في أي وقت دون أسباب.
وأضافت: "الدولة أهملت وما تزال حقوق العاملين وتخلى الحكم الحالي عن شعار "العدالة الاجتماعية"، الذي رفعه الشعب في ثورته المجيدة يوم 25 يناير/ كانون الثاني، واستشهد في سبيله كثيرون من شباب مصر، وبدلاً من السعي إلى النهوض بالصناعة، انحازت الدولة لرجال الأعمال ولم تضع قوانين رادعة تمنعهم من غلق المصانع وتركتهم يتعمدون إفلاس مصانعهم "بشكل دفتري"، كي يتمكنوا من إغلاقها دون التفكير في مصلحة العمال وتعويضهم سواء من جانب رجال الأعمال أو من جانب الحكم".
ورأت أن القضاء الحالي لا يستند لأي منطق قانوني في أحكامه الحالية في قضايا العمال، ويكفي أن الحكم الأخير بتجريم الإضراب يظهر الشريعة كما لو أنها مع ظلم العمال وأكل حقوقهم.
من جانبه، فتح رئيس الاتحاد العام لنقابات أصحاب المعاشات، البدري فرغلي، النار على الحكومة الحالية، وأكد أن العاملين وأصحاب المعاشات يعيشون أسوأ سنوات عمرهم بعدما تخلت الحكومة تماماً عن مسؤولياتها تجاههم، واعتادت أن تتذرع بحجة مواجهة الإرهاب، بينما تنفذ كل مطالب رجال الأعمال وتحرص على تدليلهم وتنفيذ رغباتهم حتى ولو كانت على حساب المطحونين والفقراء.
وشدد على أن اتحاد أصحاب المعاشات يجهّز لعقد جمعية عمومية خلال مايو الحالي لاتخاذ الإجراءات اللازمة في مواجهة تجاهل مطالب أصحاب المعاشات، محذراً من أن ما يحدث يزيد من حالة الاحتقان في المجتمع وسوف ينعكس على الحكومة ذاتها إذا استمرت على المنهج نفسه الذي يرسخه أبناء مبارك الذين يسيطرون على مقاليد الأمور داخل أهم الوزارات المصرية.
وتعليقاً على الحكم الأخير القاضي بحظر الإضراب، قال فرغلي: "إذا أضرب عمال غزل المحلة الذين يزيد عددهم على 30 ألف عامل، فإنني أتحدى الحكومة لو استطاعت أن تحيل ولو واحداً منهم فقط للمعاش المبكر"، مؤكداً أن تاريخ الإضرابات العمالية يثبت أن العمال أكثر حرصاً من جميع المسؤولين على مصانعهم ويحافظون على الآلات والمعدات دون أي تخريب.
وحول الحكم ذاته، قال القيادي باتحاد عمال مصر الديمقراطي، طلال شكر، إن هذا الحكم يمثل صدمة للمجتمع ومخالف للدستور وإساءة للشريعة الإسلامية التي تم إقحامها في الموضوع بالرغم من أن الإخوان المسلمين لم يفعلوا ذلك أثناء فترة حكمهم.
وأشار إلى أن الحق في الإضراب مكفول دستورياً ووفق المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر، ولا بد من الاعتراف به، إلى جانب اللجوء لحلول بديلة لحل المنازعات بالوسائل السلمية بدلاً من سلب حقوق العمال ومنعهم من أبسط الوسائل للتعبير عن غضبهم، وهو ما يؤكد "أننا عدنا لنظام مبارك".
وأكد شكر أن الحكومة منحازة وتزعم إنها سوف تدعم صناعة الغزل والنسيج دون أن تفعل شيئاً، لأنها تسير على السياسات القديمة وعليها أن ترحل، وعلى رئيس الجمهورية أن ينظر إلى الشعب المصري.
وأشار طلال شكر إلى أن قانون العاملين في الخدمة المدنية الذي صدر في 15 مارس/ آذار الماضي، صدر من طرف واحد دون أي حوار بين أطراف العمل الثلاثة، ويهدد بظهور موجة جديدة من المعاش المبكر، إذ ينص على أن العامل الذي يحصل على تقدير ضعيف يحال إلى المعاش المبكر، وكلنا نعلم أن التقديرات يتم تحديدها حسب المزاج والعمال غير مدربين بشكل جيد حتى تتم معاقبتهم بهذه الطريقة، كما أن القانون يتوسع في الجزاءات حتى عشرة أيام، متسائلاً: "هو الشهر في كام 10 أيام؟".
وطالب بإلغاء هذا القانون، واصفاً الذين أعدوه بأنهم "مجرمون" يستهدفون خروج أعداد كبيرة من الموظفين من العمل قبل الوصول إلى سن المعاش.
وبخصوص أهم المطالب العمالية في المرحلة الحالية، قال شكر إن هناك أربعة قوانين للتأمينات الاجتماعية لا تحقق المنفعة للعمال، ولا بد من وجود قانون اجتماعي موحد يغطي جميع المصريين، كما أن قانون العمل الحالي ينحاز إلى أصحاب الأعمال ويحرم العاملين من أبسط حقوقهم من تأمينات اجتماعية وصحية وحوافر، ما يدعو إلى قانون جديد تشارك الطبقة العاملة في إعداده بعيداً عن حوارات الصالونات التي تعقدها وزارة القوى العاملة تحت مسمى "حوار مجتمعي".