4 أفلام تونسية شاركت في الدورة الـ16 (1 ـ 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2018) لـ"مهرجان الفيلم القصير المتوسطي" في طنجة المغربية، 3 منها لمخرجات شابات. موجة المخرجات التونسيات تتمدّد. بعد كوثر بن هنيّة وسارة العبيدي، ظهرت أفلام مريم الفرجاني وفاتن مطماطي وأنيسة داوود.
تجري أحداث "قانون الصمت" (2018) للفرجاني والمهدي هنمان على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسّط، حيث شبان تشرئب أعناقهم إلى شمال المتوسّط بشوق جارف، وكلما تمكّن الحشيش منهم أكثر، طَفَح الوجد على وجوههم، وانكشف عمق ما في القلوب. الوطن خلف ظهورهم، والمستقبل على الضفة الأخرى للبحر نفسه. الحدث: حفلة وداع طالبة متفوّقة ستنتقل إلى باريس لمتابعة دراساتها العليا. يشعر شقيقها الكسول بالغيرة. ما بدأ هزلاً انتهى تراجيديا. هناك مسافة نفسية كبيرة بين بداية الفيلم وخاتمته. لردم الهوّة بين الواقع والحلم، يظهر رجال الشرطة. هؤلاء هم المظهر الوحيد للدولة المعروف لدى الشباب. حين ظهروا، زال مفعول الحشيش، فحلّ الصمت.
نقيض هذا موجودٌ في "خفايا" (2017) لمطماطي. الحدث في شمال البحر المتوسط، والصدمة في جنوبه. عملية دهس إرهابية تضع زواجًا مختلطًا بين الضفتين على المحك. هناك اسم إشارة إلى البلد البعيد. إيناس تونسية متفوّقة، درست في الغرب وعادت إلى بلدها مع زوج ألماني وسيم. لكن ظهور سرّ حَوّل الزواج إلى صدام حضارات. حَدَثُ الـ"هناك" كشَفَ حقيقة المشاعر المتبادلة في الـ"هُنا". ينتمي الإرهابي إلى بلد الزوجة، وهي تشعر بعار وخجل يُحقِّران شرف بلدها، الذي تنهشه شاشات التلفزيون وهي تعرض شاحنة قتلت أناسًا أبرياء في منتزه.
يجري الفيلم في فضاء مغلق. فيه حوار طويل وسريع باللغة الإنكليزية. نبعت متانة السيناريو من قوّة الموضوع وراهنيّته. فيه يتغيّر الصوت والوجه حين يعبّران عن الانفعالات. أيُّ عار أن يكون الفرد من بلد ينتج إرهابيين ويُصدِّرهم.
في "العصفور الأزرق" (2018) لرفيق عمراني وسوبا سيفاكومران، يجري حفلٌ طويل في مطعم على شاطئ تونسيّ. كأس ونغم. للسكارى قدرة كبيرة على الفرح والتضامن فيما بينهم. فجأة، تقلب المغنية الصلعاء الجوّ بينما يتكلم شخص على هاتفه طوال الوقت. فيلم غنائي ينقلب تراجيديا حين يُكشف المستور. في حبكته حَدَثٌ واحد يحلّ بالصدفة، وليس للصدفة ما بعدها.
فبالصدفة يكتشف المراهق أن أخته كبرت، كما في "خذو عيني" (2018) لداوود وأبوزار أميني. كبُرت الأخت، أي أنها ستنتقل من الطفولة إلى عالم النساء، ولهذا ضوابط وإكراهات. كيف يرى أفراد الأسرة هذا التحوّل؟
يُعرض ذلك بصريًا بصمت، بفضل وعي حاد بوحدة المكان. تدور الكاميرا حول الجدار نفسه. هناك وقائع مختلفة تبعًا لموقع التلصّص على جسد الأخت، التي تتعرّف عليه هي أيضًا. ترى النهدين يكبران. في أجواء كهذه، يشعر الأب بتهديدٍ يتمثّل بفقدان طفليه اللذين يخرجان من مرحلة عمرية ويدخلان في أخرى بإصرار.
يُروى "خذو عيني" بعين الأم. هي تعرف أقلّ من المتفرّج الذي اكتشف أسرارًا غائبة عن عين الأم، التي لديها تفسير واحد لسلوك ابنها وزوجها تجاه المراهقة. فيه 4 وجهات نظر صحيحة حول طاولة واحدة. كلّ واحدة منها تحكم ـ من موقعها ـ على الجزء الذي تراه. يتسبّب اختلاف وجهات النظر في خلق مسافة باردة بين الشخصيات، لأن كلّ شخص مُصرّ على أن الحقيقة هي ما رآه هو. سوء فهم عميق.
هذه 4 أفلام تونسية عن مغنّية ذات شعر ناعم يُكشف أنها صلعاء، وأبّ حنون يظهر عدوانيًا، وباحثة متفوّقة يتبيّن أنّ في بلدها إرهابيين، وأخ متسامح يعصف به الحسد نتيجة نجاحات شقيقته.
ما هو المشترك بينها؟
أولاً: فيها بطولة نسائية. ثانيًا: هناك حدثٌ وحيد أشبه بـ"حدّوتة" لا يتبعها عنصر حل، وغالبًا ما يبدو التحوّل مفاجئًا، وناتجًا عن صدفة لا عن علّة. ثالثًا: يُساهم "المعهد الثقافي الفرنسي" في تونس في إنتاجها. رابعًا: يحضر فيها الهاتف النقّال بكثرة. يُلاحَظ في المهرجان المذكور كثرة الهواتف النقّالة في الأفلام القصيرة، التي تسمح بالتواصل عن بُعد، وبالتالي تعطِّل وظيفة المكان في السينما. المكان والمسافة كحاجز. ينبغي أن يُطفئ الممثلون هواتفهم النقّالة كما يُطفئ المتفرّجون المحترمون هواتفهم النقّالة أثناء المُشاهدة، بينما يردّ متفرّجون آخرون (تافهون!) على المكالمات أثناء العروض السينمائية.
يظهر من المعنى الكلّي للأفلام الـ4 أنها نابضة بالحياة والضجيج. لم يحصل أيٌّ على جوائز، فأعضاء لجان التحكيم يفضّلون إيقاعًا رتيبًا ولقطات صامتة وكادرات تُبرز الفراغ لا الزحام.