ليس بالضرورة أن تكون المباراة سيئة عندما تنتهي بدون أهداف، ورغم أن النتيجة النهائية هي الأهم بالنسبة للمتابعين والإعلام، إلا أن مباراة تشلسي وآرسنال استحقت أن تكون قمة هذا الأسبوع، رغم عدم تسجيل أي من الفريقين، نتيجة الندية والإثارة من الدقيقة الأولى حتى صافرة الحكم، مع قيام المدربين بعمل مجموعة من التغييرات خلال اللقاء، لتنتقل السيطرة من جانب إلى آخر، ولولا رعونة المهاجمين في بعض الفرص، لكانت النهاية مختلفة إلى حد كبير.
"الفوز مهم لتحويل السيء إلى جيد، بينما الهزيمة تعطي انطباعاً صريحاً بتأزم الموقف حتى مع الأداء الجيد"، يشير المدرب الأرجنتيني القدير، أنخيل كابا، إلى تدخل النتيجة النهائية في تقييمات الأنصار والصحف، ليؤكد أن بعض الأحكام تكون غير منطقية، ويغلب عليها جانب العاطفة، لأنها ترى اللعبة من منظور لوحة الملعب فقط، وبالتالي فإن النتيجة السلبية ربما تمثل في بعض الأحيان نظرة أكثر عمقاً وحيادية. ويعتبر ديربي لندن خيرَ دليل على صدق هذه المقولة، لأن الثنائي تشلسي وآرسنال على حد سواء قدما أداء متكافئاً، واستحقا تقاسم نقطة القمة.
مزيد من 3-4-3
بدأ تشلسي الموسم الماضي بخطة قريبة من 4-3-3، وسقط أمام آرسنال في ملعب الإمارات بالثلاثة، ليتحول بعدها كونتي إلى رسمه المفضل بدون تعقيد، 3-4-2-1 بتواجد ثلاثي دفاعي فرباعي بالمنتصف، رفقة ثنائي من صناع اللعب ومهاجم متقدم، لينفجر كوستا بالتعاون مع إيدين هازارد، ويصنع بيدرو الفارق بين الخطوط، مع حماية تامة من كانتي وماتيتش ثم فابريغاس، والكل يعرف النهاية السعيدة بالتتويج المستحق، بعد تصدر المسابقة، حتى الأسبوع الأخير، وسط تعثر متتابع لكل المنافسين الكبار.
حصل أرسين فينغر على الدواء من كونتي في ما بعد، ليترك خطة (4-2-3-1) ويراهن هو الآخر على نفس خلطة تشلسي، بمزيد من (3-4-2-1) في الدوري الإنكليزي، بعد اللعب بسانشيز وأوزيل أمام خط الوسط وخلف المهاجم المتقدم ويلباك أو جيرو، بالإضافة لثنائية رامسي وتشاكا في العمق، وفتح الملعب عرضياً بمونريال وتشامبرلين/ بيليرين أمام ثلاثي الدفاع بالقرب من مرمى بيتر تشيك. وحصد المدفعجية ثمار هذه المغامرة، ليفوز آرسنال على مانشستر سيتي في نصف نهائي الكأس، ويتوج بالبطولة في النهاية على حساب تشلسي، في مباراة تسيدها الفريق الأحمر بوضوح.
حقق الزرق انتصارات ضخمة على آرسنال في السنوات الأخيرة، لكن بمجرد تحول فريق فينغر إلى رسم (3-4-2-1)، والمعادلة مختلفة على مستوى الأداء والأرقام، فالفريق واجه تشلسي في ثلاث مناسبات رسمية بعد ذلك، ليُنهي المواجهات بانتصارين وتعادل أخير، مع حسم بطولتي الكأس والدرع الخيرية. وعلى عكس المواسم الماضية، فإن الضيوف صنعوا خطورة بالغة هذه المرة في ستامفورد بريدج، لدرجة أن آرسنال كان الطرف الأقرب للتهديف، من خلال تسديدة رامسي بالقائم، وهدف موستافي الملغى في الشوط الثاني، لذلك يأتي هذا التغير كانقلاب تكتيكي حقيقي، وكأنه المصل المضاد لتركيبة تشلسي الناجحة محلياً.
الرقابة والضغط
وضعت شبكة "سكاي سبورت" صورة رائعة من المباراة، توضح باختصار التقارب الواضح في التموضع بين الفريقين، لأن آرسنال وتشلسي يلعبان بنفس الطريقة، ثلاثي دفاعي ورباعي وسط وثنائي هجومي مع رأس حربة، لكن يكمن الفارق الحقيقي بين الجانبين في أسلوب الضغط المرتفع الذي يطبقه فينغر، ونظام الرقابة الفردية رجل لرجل من دون الكرة، مما خنق تماماً وسط تشلسي، وحرمه من ميزة الاتصال بلاعبي الثلث الأخير، وجعله مجبوراً على بناء الهجمة من الخلف دون تنظيم وأريحية، ليحصل أصحاب الأرض على الأفضلية في أول ربع ساعة، قبل أن تنقلب الأمور لخصمهم حتى فترة الاستراحة.
يضغط آرسنال بشكل رهيب أقرب إلى العنف المشروع في بعض الأوقات، مع قوة ويلباك في هذا الجانب وصغر سن إيووبي، لذلك ينقض هذا الثنائي بمساعدة لاكازيت على ثلاثي دفاع تشلسي، بينما يغلق بيليرين وكولاسيناك كافة الطرق أمام ألونسو وموزيس، ليفقد تشلسي نصف قوته بفتح الجناحين، مع قرب رامسي وتشاكا من فابريغاس كلما يستلم الكرة، ورقابة كوسيلني، مونريال، وموستافي لِبيدرو، ويليان، والمهاجم ألفارو موراتا، حتى فشل صانع اللعب سيسك في إيجاد زملائه في نصف ملعب آرسنال، ومن هنا نجح رهان أرسين.
اتجهت المباراة إلى التماثل بين الجانبين، لكن مع فروقات بسيطة لصالح آرسنال، بسبب سرعة وقوة رامسي في الاختراق، وتفوق تشاكا في التمرير الطولي والقطري، مع توازن الظهيرين في لعبة التحولات، لذلك كانت الفرصة الأخطر على الإطلاق، بعد تفوق الويلزي على دفاعات تشلسي، ودخوله إلى منطقة الجزاء قبل أن يسدد الكرة في القائم، بالإضافة لتفوق لاكازيت وفق هذا المنظور، نتيجة عودته باستمرار إلى الخلف، ومساعدته للاعبي الوسط في البناء والتمرير، لأنه يختلف كثيراً عن موراتا الذي يفضل أكثر التمركز داخل صندوق العمليات، ليلعب تشلسي في الخلف بثلاثة مدافعين أمام مهاجم شبه وهمي، يتحرك أكثر لفتح الطريق أمام القادمين من الخلف.
مباراة رامسي
عاد آرسنال بعد البداية الضعيفة، هذا الموسم، بالفوز على بورنموث، الفريق الذي لعب هو الآخر بخطة (3-4-3)، ليجد فينغر وفريقه راحة تامة في التعامل مع هؤلاء المنافسين، وأعاد التفوق مرة أخرى ضد تشلسي بالشوط الأول في ملعب "ستامفورد بريدج".
وتحدث مدراء "مدونة آرسنال" المختصة بالنواحي التكتيكية" عبر "تويتر"، عن سر تفوق فريقهم على منافسي ثلاثي الخلف، بالتأكيد على أن الخصم الذي يلعب بتلك الطريقة، يكون محروماً من ثنائي صريح من الأجنحة، في سبيل وضع لاعب واحد على كل خط، دفاعاً وهجوماً، مما يجعل مهمة دفاع آرسنال سهلة بعض الشيء، في لعب التمريرات العرضية والقصيرة من اليمين لليسار والعكس.
ونتيجة بعد المساحة بعض الشيء بين ثلاثي الدفاع وثنائي الارتكاز أثناء التحولات، فإن الويلزي أرون رامسي يجد الفراغ اللازم للحركة في وبين الخطوط، خلف وسط بورنموث وفي المنطقة المتاحة بين كانتي ودافيد لويز، لينطلق بالكرة دون توقف، ويستلم الكرات في وضعية أفضل، بالتبادل مع إيووبي وويلباك وسانشيز وبقية الزملاء. حتى ويلباك يجد نفسه أكثر وفق هذه الخطة، لأنها تعطيه حرية اللعب كمهاجم ولاعب وسط وكجناح، وتوفر له خيار الهروب من الرقابة الفردية، رجل لرجل، بالسرعة والانقضاض على الكرة عند التحول من الثبات إلى الحراك.
وبالتالي فإن آرسنال يقدم نتائج أفضل أمام فرق 3-4-3، ويعاني كثيراً أمام المنافسين الذين يلعبون بثلاثي صريح بالمنتصف وخلفه رباعي دفاعي، لأنه يفقد الاستحواذ والسيطرة، ويُحرم من تطبيق الضغط العالي في جميع مناطق الملعب، ويتعرض دفاعه لخطورة أكبر في حالة خلق موقف 4 ضد 3 أمام بيتر تشيك. ورغم أن كونتي لم يرجع لرباعي الخلف بالشوط الثاني، إلا أنه أجرى تعديلاً تكتيكياً عدل كثيراً من صفوفه حتى الدقائق الأخيرة.
دور باكايوكو
يُصلح أنطونيو كونتي أخطاءه سريعاً، ولا يمانع من سحب بعض لاعبيه عند تأزم النتائج، وساعده التوفيق قليلاً بعد خروج بيدرو مصاباً، ليدخل الوافد الجديد باكايوكو في المنتصف، ويلعب تشلسي بثلاثي صريح بمنطقة الارتكاز، ليمنع آرسنال من خاصية الرقابة الفردية، ويُجبره على العودة إلى مناطقه الخلفية، بسبب صعوبة الضغط على الوسط، مع تحرر فابريغاس بعض الشيء، نتيجة حمايته الكاملة من جانب كانتي وباكايوكو، الثنائي الذي أغلق المساحات الشاغرة أمام تقدم رامسي، وقلل الفراغ أمام ثلاثي الدفاع.
لم يتوقف الإيطالي عند هذا الحد، ليُشرك نجمه الأول إيدين هازارد مكان البرازيلي ويليان، ويتحول بوضوح من (3-4-2-1) إلى (3-5-2)، بلعب هازارد وموراتا جنباً لجنب في الهجوم، وتقوية منطقة المنتصف بثلاثي صريح، يحمي الأظهرة عند التقدم للهجوم، ويحقق الزيادة العددية المرجوة أمام ثنائية المدفعجية. وحققت هذه الخطة كل ما يريد كونتي، لحماية فريقه أثناء المرتدات القاتلة، وعدم فقدانه للكرات في مناطق خطيرة بالقرب من مرماه كما جرت العادة أخيراً، في المواجهات المعقدة.
يتفوق سيسك في صناعة اللعب من الخلف، وتزيد خطورة هازارد كلما اقترب من المرمى، لذلك تؤدي كل المسارات إلى خطة (3-5-1-1) في المباريات القادمة لتشلسي، حتى يلعب باكايوكو بجوار كانتي، ويستطيع الفريق تنفيذ الاختراق السريع من العمق، دون إلقاء قوة المهاجم الهجومية على لاعبي الأطراف فقط، خصوصاً أن معظم الفرق المنافسة حفظت الطريقة عن ظهر قلب، وصدرت المشاكل لحامل اللقب في أكثر من مناسبة، لتبقى كافة السيناريوهات متاحة في قادم المواعيد.