25 يناير في مصر... مولد الحسين وخيمة "نرمين"

25 يناير 2017
(مزار الحسين في مصر، الصورة: وكالة الأناضول)
+ الخط -

مشهد حفظته الذاكرة المصرية؛ تجمُّع الاحتفال السنوي بقدوم الرأس الشريف للإمام الحسين؛ الذكرى التي يختلط فيها الماضي بالحاضر، التاريخ بالراهن، فقراء المصريين مع أغنيائهم، أيام يخرج فيها الجميع خارج دائرة الزمن، طقس يُشبه الحج، لكنه يستبدل السعي بالإنشاد، ويُعوِض الطواف بالحضرة، الرقص الصوفي الذي ابتكره المصريون في مساجد آل البيت؛ من كلّ فجٍ وصوب نزلوا لساحة الحسين؛ لكن هذه المرّة لم تُحطهم بركات الأولياء ودعوات النافذين فقط، لكن حاصرتهم "الدواعي الأمنية".

آخر ثلاثاء من ربيع الثاني، شهر ميلاد النبي محمد وموعد قدوم رأس حفيده إلى القاهرة، يُبنى له الضريح الحسيني في القاهرة الفاطمية، ويحدّد له آخر ثلاثاء من شهر قدومه موعدًا سنويًا للاحتفال؛ لكن ما جُبل عليه المصريون طيلة قرون، غيّرته الحكومة المصرية هذا العام، فغيّرت الموعد الثابت لليلة الشيخ ياسين التهامي، المنشد الأوّل في مصر، من الأربعاء الموافق 25 يناير/ كانون الثاني إلى الإثنين الـ23 من الشهر ذاته، "في ساحة الحسين نزلنا.. في حمى الله من أتى لحسينا"؛ تبدو الأنشودة الصوفية الشهيرة غير مناسبة للغناء في هذا المولد، فقد رفعت الدولة حمايتها عن الجميع حتى هؤلاء البسطاء القادمين من الريف لنيل البركات، وقرّرت حرمانهم منها كما حُرموا من أبسط حقوقهم.

الساعة الثانية منتصف ليل الثلاثاء، الموعد الذي حدّدته القيادات الأمنية المسؤولة عن تأمين ميدان الحسين لمشايخ الطرق الصوفيه لإنهاء المولد، وتفكيك جميع ما يتعلّق به، وخلو الميدان من أي زائر، الليلة التي كانت تمتد لساعات الصباح الأولى، في انتظار "صبحية سيدنا"، قرّر الأمن المصري القضاء على كافة مظاهرها الاحتفالية، غير مبالٍ بالجموع "العاشقة" التي تأتي محبّة بالحسين من كل عام.

لم يكتف الأمن بأوامره القاطعة، لكنه تفنّن كذلك في معاقبة المريدين والذين تطول مدّة مجاورتهم للإمام أسبوعًا أو أكثر قبل موعد الاحتفال، "كل يوم الميّة بتتقطع عننا واحنا مخيمين في الشوارع.. ده غير لما نزلوا خدوا الأنابيب عشان يمشّونا لولا تدخل ولاد الحلال"؛ يتحدّث عباس المنياوي، القادم من الفيوم لمجاورة الإمام في احتفاله بمولده، العادة التي قطعها على نفسه منذ عقد من الزمن، بزيارة كل من الحسين والسيدة زينب، في عيدهما السنوي، لم تنقطع العادة منذ سنوات.

يستطرد المتحدّث: "حتى في الثورة جينا وفي أنفلونزا الخنازير، مبارك بجلال قدره مقدرش يمنعنا، دلوقتي محدش واقف في ظهرنا غير الإمام وهو اللي هيراضينا"، يُنهي عباس حديثه استعدادًا لتجهيز "براد" الشاي الضخم للتغلّب على برودة الجو، التي لا يكفيها الشاي الساخن فيضيف له قطعة من الأفيون يقضمها بسنه الذهبي "لأجل تمام التجلّي".

"يثرب شرفت بهجرة طه.. يا هنا مصر يوم جاء حسينا"؛ لم تهنأ مصر هذا العام، فقد أتى حسين في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني، اليوم المتنازع عليه بين عيد الشرطة وعيد الثورة المصرية، ولم يجد فيه الإمام الشهيد موقعًا لقدم في ميدانه الرحب، بعد أن قرّرت قوّات الأمن أن تحرم مضيفيه من النظر إلى روضته الحسينية، "احنا غلابة مش حمل شدّ الرحال لمسجد المصطفى وبنيجي ننوّل بركته من هنا"؛ يحكي السبعيني ناصر، القادم من أسوان، استمرارًا لمسيرة الأولياء التي خرجت من عائلته وقريته، فهو صاحب النسب للجعافرة، من كبار الصوفية في مصر، ومقام الشيخ صالح الجعفري يحتلُّ مكانة متميّزة في محيط المسجد الحسيني.


لكن أخيرًا نافسته في تلك المكانة خيمة الشيخة "نرمين"، بالقرب من قسم شرطة الجمالية القديم؛ الخيمة التي نُصبت في بداية أيام المولد، كانت مقصدًا لكبار الزوار، وتخصّص لها خدمة خاصّة لتأمينها وتلبية متطلباتها، لم تعرف الخيمة "أجولة" الفول، أو "مواجير" العدس وقطع الجبن القديمة معونة أهل الطريق، لكن خيمة "السيدة القاهرية" تملؤها رائحة اللحم والأرز البسمتي، ويشرف على طعامها شيف متخصّص. يعلّق أحد المجاورين للخيمة: "أصل دي قريبة الوزير، لو المولد كله انفض.. مين هيفض خيمة نرمين؟".

المساهمون